2009-11-17
فيه هيبة السلطان وبساطة الانسان وهدوء المفكر وعمق الفيلسوف وذكاء السياسي وتميز الاطباء .. واسع الافق موسوعي المعرفة .. ما ان تطرقنا الى موضوع في الادب او الشعر او التاريخ او الطب او الجغرافية او الدين والتشريع او الاقتصاد او العلاقات الدولية الا وكان ملما به واوفاه حقه .. فقد تكلم عن تاريخ امريكا والعراق والاتفاقات والرؤساء الذين مروا بها وقد افاض بالمعلومات عنها وعن كل موضوع سحبتنا اليه الجلسة بالتواريخ والارقام الدقيقة .. هذا كان انطباعي عنه عندما استقبلني وعدد من الاعلاميين في مكتبه في مقر تيار الاصلاح في بغداد..
هتفت له الجماهير ايام الانتفاضة ( ماكو ولي الا علي ونريد قائد جعفري ) وتهتف له الجماهير الان اينما حل ب ( علي وياك علي ) يحسب للسيد الجعفري ان وزارته الوحيد من بين الوزرات التي اعقبته التي لم تسجل فيها اية حالة فساد او محسوبية او توظيف للاقارب وبانه لم يول ابنه او ابنته او زوجته اي من مفاصل الحياة السياسية في العراق .. وانه على الرغم من انه اعتلى رئاسة الوزارة في فترة انتقالية وهي من اصعب فترات تاريخ العراق لان الامور لم تكن قد توضحت فيها بعد ولان كل التحديات الداخلية والاقليمية والدولية كانت تعصف بالعراق والفتنة الطائفية والتي اججها البعض للاطاحة بالتجربة الوليدة كانت على اشدها وارادت ان تهد المعبد باكملة على من تواجد فيه ..
الا انه استطاع ان ينجز في ستة اشهر مالم يستطع ان ينجزه غيره في سنين كما انه وبكل حكمة استطاع ان ينقذ البلاد من حرب اهلية مؤكدة بعد احداث سامراء لما له من تاثير على الصدريين الذين دخلوا الائتلاف الجديد اليوم بعد تردد اكراما له ونكاية بغيره ورغم كل التحديات الجبارة والهائلة التي واجهت فترته الانتقالية امنيا واقليميا ودوليا الانه استطاع ايضا ان يهتم بالعمران والانجازات الخدمية... واذكر ان احد المواطنين قال لي يكفي الدكتور الجعفري فخرا انه في عهده انجزت المجسرات والارصفة الجميلة بين الكاظمية والحرية وغيرها من مناطق البسطاء .. اخبره السفير الامريكي عندما كان رئيسا للوزراء بان ( الامريكان لايحبوه ) وهذا برايي المتواضع وسام على صدر السياسي الوطني ان لايحبه الامريكان لان ذلك يعني انه لايتفق وسياساتهم الرامية الى تغييرات ليست في صالح البلد وربما نهب ثرواته
كان المكتب بسيطا الا انه يحتوي على كل عناصر الجمال والتميز لانه رتب بعناية تليق بشخصية سياسية متفردة ومهمة ولها ثقلها في الحياة السياسية في العراق .. اما جدران المكتب فقد كانت مغطاة على مدارها بمكتبة عامرة الى السقف الذي زينته ثريات صغيرة وجميلة .. رتبت الكتب بشكل ساحر وجذاب بالوانها المذهبة المهيبة وقد رصت بشكل لافت للنظر ..
كان الدكتور الجعفري او السيد كما يطلق عليه مستشاروه والعاملون معه لانه من نسل الرسول الاعظم والدوحة العلوية الهاشمية .. كان متحدثا مفوها متمكنا قادرا على الخوض في اي مجال من الحديث تطرقنا اليه كما انه خطيب مقتدر يرتجل كلماته ولايخطا بها لغويا ابدا.. وقد بدا واضحا غزارة معلوماته ودقتها في كل المجالات
في البدء قلت ربما كانت هذه المكتبة والتي تغطي الجدران الى السقف للديكور كما يفعل اغلب الساسة الذين يظهرون امام مكتباتهم لاضفاء صفة الثقافة والمعرفة على انفسهم وهم لايعرفون مابها .. قلت لأجرب .. سالت السيد كما يحب ان ينادوه عن بعض الكتب التي وقعت عيني عليها .. فكانت اجاباته شافية ووافية عما فيها ومحتواها ورسالتها وفحواها ..
تطرقنا الى مواضيع شتى وشيقة في النفط والاقتصاد والسياحة الدينية والمراة والشباب .. وجدته مثقلا بهموم الوطن ومسكونا بحبة ومداواة جراحه .. وخصوصا الشريحة الاضعف والافقر فيه الاوهي شريحة الارامل والايتام والعجزة وكيف يخطط لايجاد حلول ناجعة ودائمة لمشاكلهم .. وقد تحول فعلا بانشغاله بهذه الهموم الكبيرة من طب المواطن الى طب الوطن باعتباره طبيب اصلا .
الجعفري يذبح احد مستشاريه
في اللقاء الثاني الذي الذي استقبلنا فيه على الغداء كان هذه المرة بسيطا بشوشا مضيافا .. حدثنا احد مستشاريه بانه تلقى ذات يوم هدية للسيد من بستانه عبارة عن خصافة تمر مكبوس .. ولكن المستشار قال السيد لايهتم كثيرا بالحلويات فاخذها الى شقته واخفاها هناك .. واخذ يهدي للسيد الجعفري ولبقية العاملين في مكتبه من هذا التمر كل يوم وهم لايعلمون انه اصلا لهم.. وذات ليلة تمضمض المستشار بالشب باعتباره يقوي اللثة ولكن الشب دخل الى بلعومه .. مما تسبب له في اختناق وانقطاع النفس .. حاول ان يخفف الامر بان تناول القليل من تمر السيد ولكن الامر ازداد سوءا .. وبعد جهد جهيد ومعاناة واسعافات اولية تحسنت حالته .. وفي الصباح اخبر الدكتور الجعفري بما جرى له وبحقيقة التمر فاخبره الدكتور بانك لو جئتني لذبحتك .. اي لاحدثت فتحة في القصبة الهوائية لتستطيع التنفس .. مما ارعب الرجل وحدا به الى القول الحمد لله اني لم ات اليك فياسيدي اعرف انك ابراهيم ولكني لست باسماعيل .. بينما قال العاملون في المكتب مازحين ان السيد قد شور بك لانك اخفيت التمر عنه
وحدثنا مستشار اخر له عن موقف طريف له مع السيد الدكتور الجعفري قال .. ذات يوم احسست بالم في صدري وضيق بالنفس فرأيت الدكتور يتكلم امامي بالانكليزية وبشكل جاد مع طبيب اخر صديق له ففهمت انهم يتكلمون عن حالتي بشكل مقلق ..عن العمر وعن تاريخ الاسرة المرضي مما جعلني اموت رعبا .. واوحيا له انه لديه القلب وان حالته خطيرة وانه يجب ان لايبذل اي مجهود او يقوم باي حركة .. مما جعله يمضي ليلة ليلاء من الرعب .. حتى ان بقة كبيرة ازعجته جدا ووقفت على وجهه مرات هم بقتلها واحجم لانه تذكر انه يجب ان لايبذل اي مجهود مهما كان صغيرا .. وفي الصباح اكتشف انهم انما كانوا يمازحونه و يريدون ارعابه ليس اكثر ..
تحدث الدكتور الجعفري في هذه الدعوة عن زوجته العلوية الدكتورة ام احمد فهي طبيبة ايضا واولاده وعائلته وكان كل حديثه دافي حنون وودي وقريب من القلب .. ففي الاستقبال الاول تصرف ومن منطلق لكل مقام مقال كرجل دولة وصاحب سيادة ورئيس وزراء وسياسي كبير ولديه مسؤوليات جسام ورسالة وطبيب مهموم بمشاكل شعبه لذا وجدت فيه هيبة السلطان ومسؤولية الحاكم ومعرفة المثقفين وفي الثانية تصرف كمضيف يهمه اسعاد ضيوفه فكان على سجيته وبساطته .. ترك السيد الجعفري في نفسي انطباعا جميلا عن شخصيته المتفردة والمتفوقة في كل شيء.
ناهدة التميمي
________________________________________
جميع الحقوق محفوظة للمرصد العراقي
Design by AliArts/
aliarts_web@yahoo.comhttp://www.baghdadtimes.net/Arabic/