الدكتور إبراهيم الجعفري : نريد الحكومة المقبلة أن تكون قوية لا القوة بمعنى الشخصنة وإنما من وحيّ الدستور والنظام والاستجابة لكل التحديات
المكتب الإعلامي للدكتور إبراهيم الجعفري
12/6/2010
السبت
أكد الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس تيار الإصلاح الوطني على ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة قوية إلى أقصى درجات القوة لا بمعنى الشخصنة والفردانية وإنما من وحيّ الدستور والنظام والتصدي الجريء غير المتردد والاستجابة لكل التحديات وملئ الفراغات وفك الحصار والارتقاء بمستوى الخدمات وكل شيء يرتبط بالعراق ، مشيرا إلى أن هذا هو الوفاء لكل الشهداء هذا هو الوفاء لسيد شهداء عصره وحسين العصر السيد محمد باقر الصدر ولكل الشهداء وللسيد محمد باقر الحكيم ، جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في الحفل التأبيني في ذكرى استشهاد سماحة السيد محمد باقر الحكيم والذي أقيم بمقر المجلس الإسلامي الأعلى ببغداد السبت الموافق 12/6/2010.
وإليكم النص الكامل لكلمة الدكتور إبراهيم الجعفري ...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وجميع عباد الله الصالحين) ... السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته ...
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ...
ما بين لقاء التواصل الأول عام 1965 إلى اللقاء الأخير عام 2003 تسع وثلاثون سنة ... هذه السنين التي حين أتذكرها بين ما بدأت به لقاء التعاطي الأول طالبا في الدورة التي رعاها الأمام السيد محسن الحكيم (قدس الله نفسه الزكية) وكان سماحة السيد الشهيد محمد باقر الحكيم أستاذا يدرسنا علوم القرآن ... وما بين الثمانين إلى 2003 تخللـّت هذه الفترة لقاءات متواصلة كانت لقاءات عمل ... أيام كنا سوية نعمل في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ... وحين أستحضر تلك الذكريات أدرك جيدا نحن بأمس الحاجة إلى الشخصيات التي تجمع بين العِلم والعمل وكان سماحة السيد الحكيم نموذجا من الذين حملوا العِلم إلى جانب العمل وساهموا في تقديم دمهم الزاكي في سبيل إرواء شجرة الحرية ... وحين نعقد مقارنة سريعة بينما كنا عليه في المعارضة وما نحن عليه اليوم نجد أن قوافل الشهداء بقـّوا علامة بارزة وناصعة في سماء العراق ... وإذا أخذنا التراتبية الزمنية كيف بدأ ركب الشهداء بقبضة الهدى عام 1974 شهداء حزب الدعوة الإسلامية ثم بدأ هذا الموكب المبارك بدأ يواصل طريقه ويعبر عن نفسه بلغة الدم من موقع العِلم إلى حد الوعي وسبر الحقيقة ومن موقع العِلم إلى حد التفاني ومواجهة التحديات جاءت بعد ذلك قوافل الشهداء من البضعة من آل الحكيم وآل بحر العلوم وكافة الشهداء ... ولم يكن الشهيد فقط محددا بعائلة أو أرض إنما الشهيد يتسع إلى حيث تتسع قيّمه ومبادئه ... فكان الشهيد البدري والشهيد العاصي ... وإذا كانت أزمنة الشهداء تتفاوت والمناطق التي تزهق فيها أرواحهم تتفاوت ... إلا أن قربهم من عمق القلب إلى الله تبارك وتعالى هو الذي يختارهم دون غيرهم لنيل شرف الشهادة ... فبضعة آل الحكيم استشهدوا هنا في بغداد والسيد مهدي الحكيم في السودان وسيد محمد باقر الحكيم في النجف ... علينا أن لا نستغرق كثيرا هؤلاء في أعمارهم وفي الظروف التي أحاطت بهم لكننا ينبغي أن ندخل إلى داخلهم لنتعرف على القيم التي صنعت هؤلاء ... والأفكار التي صاغت شخصياتهم والشجاعة التي تحلـّوا بها بحيث أنهم أبوا إلا أن يتواصلوا مع الزمن ويصلوا إلى ما وصلوا إليه ... الشهيد عندما نستحضر ذكراه علينا أن نؤمن إيمانا راسخا بأن هذه الذكرى يجب أن نحييها من موقع استحضار هذه المعاني القيّمة والذود عن الأهداف التي ضحوا من أجلها ... الذي يراقب سير شهداء العصر الحاضر الذين أخذوا من سيدهم السيد محمد باقر الصدر يجدوا أن هذا العبقري الفذ كيف عاش الإسلام بكل ذرة من كيانه وعقله وقيمّه وضميره فمزج بين الفكر والعمل وبين الروح والنفس وصاغ مواقف رائعة أبت إلا أن تدوّي في سماء وعالم النسيان ... لذلك هذه المسيرة المباركة من الشهداء تذكرنا دائما ينبغي أن نرتقي إلى مستوى مسؤوليتنا ... الشهداء لا يحتاجون منا المديح نحن الذين نحتاج الشهداء ونستحضر مواقفهم ... إن علامة الوفاء لكل واحد منا لكل شهيد من الشهداء هو أننا نواصل سيرنا من أجل تحقيق أهدافهم ... كل الشهداء العراقيين عاشوا من أجل العراق كله ... كل العراقيين الشهداء أبوا إلا أن يواجهوا ويطرزوا الأرض بالدم الزاكي من أجل أن تتحقق العدالة لم يفرقوا بين سني وشيعي ولم يفرقوا بين عربي وتركماني وكردي ولم يفرقوا بين أحد وأحد إنما وضعوا نصب أعينهم تحرير العراق وها هي الأيام التي أتت ثمارها وأُكلها ... كلها من ثمار تلك البذور الطاهرة ... علينا حينما نستحضر هؤلاء نعيش أفكارهم وأهدافهم ونصمم من أجل أن نواصل مسيرة البناء ونبني العراق الجديد نحن أبناء أولئك الأبرار الذين عاشوا الفكر في عمقه والعقيدة في عمقها الثلاثي الذي يشكل الشهيد ... إيمان يتغلغل في قلبه ... وفكر ينوّر به عقله ... وسلوك رائع يأخذ عليه لبه فلا يعرف إلا الشهادة كتاج يتوشح ويتكلل به ويضعه على رأسه .. الإيمان ... الإيمان الذي يطغي على كل أحد قد لا نراه بأم أعيننا لكننا نقطف ثماره ونتلمس آثاره .. الإيمان الذي كان يتحدث عنه الأنبياء والأئمة الأطهار وكل الشهداء ... هذا الإيمان أذكر كلمة قالها السيد محمد باقر الحكيم دليل على الإيمان بالغيب ... الإيمان الذي قاله قبله سيد الأوصياء أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (كل شيء في هذه الدنيا سماعه أعظم من عيانه وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه فاكتفوا من العيان السماع ومن الغيب الخبر) سمعت كلمة له ولم أكن أعلم أن هذا هو اللقاء الأخير في النجف الاشرف قبيل استشهاده ببضعة أيام يوم قال ليس اعتباطا أن يكون اليوم التي تسقط فيه دولة البعث هو ذات اليوم استشهد فيه محمد باقر الصدر إنه عامل غيبي وليس اعتباطا أن يكون اليوم الذي يستلم فيه الجعفري رئاسة مجلس الحكم في 30 تموز هو ذات اليوم الذي استلم فيه صدام حسين الحكم ... عالم جليل ولكن الإيمان يطفح على لسانه ويتحدث به كلغة وكهوية يتحدث بالغيب لم يكن يخجل ويستحي أن يتحدث عن إيمانه ... الإيمان قيمتنا الحقيقية ... مكانتنا عند الله ... سرّ قوتنا ... شرفنا وعزتنا إننا مؤمنون ... إذا كان العالم اليوم يعاني من شيء فإنما يعاني من غياب الإيمان ... تطور في الآلة وتطور في الدبلوماسية وعولمات متعددة لكن غياب الإيمان حوّل العالم أو يوشك أن يحول العالم إلى غابة يفترس فيها القوي الضعيف ... الإيمان الحقيقي هو سرّ قوتنا لا نتردد ولا نستحي إننا مؤمنون إلى مخ العظم وبفضل إيماننا ننطلق إلى الفكر وإلى سوّح التصدي المتعددة في السياسة والاجتماع والأسرة والإعلام وفي التجارة وفي كل شيء ... نحن مؤمنون بالله تبارك وتعالى ونؤمن بالغيب وإن هذا الإيمان يمنحنا طاقة لا تـُحّد وإرادة لا يمكن أن تكسر ... ومن هذا الثالوث عند الإنسان الشهيد هو العِلم فقد كان للسيد محمد باقر الحكيم العالم الجليل ميادينه الخاصة التي عكست علمه ودأبه منذ وقت مبكر وأتشرف أني كنت أحد طلابه عام 1965 في تلك الدورة إلى جانب المرحوم أحمد أمين صاحب التكامل وبقية الفضلاء من العلماء ... وظل السيد الحكيم يواصل علمه إلى جانب عمله ... وأذكر جيدا أنه كان مقتحما ويبادر وأروع شيء أنه لم يكن يغادر ويبارح سوّح العمل كان يحب المبادرات في وقت مبكر لعلـّه في عام 1984 عندما تهيأت لنا فرصة أن نسجل أول سفرة لبعض قادة الدول العرب في ليبيا وسوريا لمعمر القذافي وحافظ الأسد كان التردد يسود في كثير من الأوساط لكنه كان داعما قويا وأساسيا بل صانعا لهذه الخطوة يوم ذهبنا إلى طرابلس وإلى دمشق في عام 1984 ... العِلم يجب أن يستوحي من سوّح الجهاد والعمل ... العِلم يؤخذ من العمل ويطوّر العمل ويتطور بالعمل حتى تبقى هذه الجدلية عِلم يوّلد عملا وعمل يوّلد علما ... وهذا العِلم يدفع بنا إلى التضحية ... نحن اليوم أمام مشهد قريب ... الأنظار كلها ترنوا وتتطلع لولادة الحكومة ... نريدها حكومة قوية ... قوية إلى أقصى درجات القوة ... لا القوة بمعنى الشخصنة والفردانية وإنما القوة من وحيّ الدستور والنظام والتصدي الجريء غير المتردد والاستجابة لكل التحديات وملئ الفراغات وفك الحصار والارتقاء بمستوى الخدمات وكل شيء يرتبط بالعراق ... إن إرادة قوية تستطيع أن تلبي هذه الاحتياجات هي الجديرة بأن تتولى رئاسة العراق ولا يمكن أن نختزل الحكومة برئيسها كما لا نختزلها بأي شخص وبأي موقع من المواقع إنما نريدها حكومة قوية بوزرائها ومراتبها الأخرى ... وطبيعة أن يكون الرئيس قويا حتى يستطيع من خلال أذرعه أن يمارس دوره ويلبّي هذه الاحتياجات ... هذا هو الوفاء لكل الشهداء هذا هو الوفاء لسيد شهداء عصره وحسين العصر السيد محمد باقر الصدر ولكل الشهداء للسيد محمد باقر الحكيم ... عندما نريد أن نفيّ للشهداء لابد أن نفيّ لهم من موقع التزامنا بأهدافهم التي ضحّوا من أجلها ... أدعوا الله له تبارك وتعالى في الجنان مع أجداده الأطهار وأن يعلي الله تبارك وتعالى مقامه في الجنة وأن يمنح ويعطي أهله وذويه الصبر والسِلوان وأن يحفظ الباقين منهم ويجعلهم خير خلف لخير سلف ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.