عن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام ) قال :
قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :
« إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف لو جاءوا بذنوب أهل الدنيا :
رجل نصر ذريتي .
ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق .
ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب .
ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا »
عدد المساهمات : 149 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 16 الموقع : http://www.eslahiraq.net
موضوع: التثقيف و الامن الوقائي الخميس 19 نوفمبر - 3:49
علينا أن ندرس الإنسان ونعيد النظر في نظام القيم عنده، لنرى ما تسرب إليها من تحريف، ولنتعرف إلى الشروخ التي أصابته لنبدأ بترميمها وبسد الثغرات التي ينفد منها الإرهاب، لذلك يجب أن نتعرف على الثقافة التي ينفد من خلالها. عند إحدى الديانات قديما، كان الرجل يوصي بحرق زوجته معه حين يموت، هذه مفاهيم خاطئة يُنسب إلى السماء، ليس كل ما ننسبه إلى السماء يتحمل الدين وزره، وعندما نقول كلمة ثقافة نقصد بها القدرة على معرفة الأشياء في حقيقتها، كي نستطيع تحويلها من عالم الذهن إلى عالم السلوك والتربية كتطبيق، إن كثيراً من البرامجيات التي تثقف في مواضيع الصحة والأمن والسلامة والنظام والمرور كما ضربنا مثلاً، ساهمت في جعل الإنسان يتطور نحو الأفضل، ونحن يجب أن نفكر بالنتيجة، إذ لا ينبغي أن ننجرَّ وراء الإرهاب، أو أن يحوِّلنا الإرهاب في ردّنا عليه إلى إرهابيين بدورنا، لأن ذلك يخرجنا عن قيمنا ومبادئنا. نحن نقاتل من أجل الحق والخير، والإرهابي إما شرير يجب أن يعاقب، أو مخدوع علينا إعادته إلى جادة الصواب. يجب أن نحلل ظاهرة الإرهاب جيداً، وأن نفصل بشكل دقيق بين العنف المشروع، والعنف غير المشروع. إن استخدام العنف في ثقافتنا وموروثنا ليس جديداً، في معظم الأسر هناك عنف ذكوري، وفي المكونات الاجتماعية هناك رعب قبلي وعشائري أو حزبوي سياسي، كذلك هناك رعب طائفي وعنصري وما شاكل، وكل هذا يشكل نوعاً من الإرهاب، علينا أن نواجه الإرهاب بسرعة، وأن نثقف الناس ونعرفهم إلى معنى الإرهابي، ومعنى اللجوء إلى الممارسات الإرهابية، فأن يكون المرء إرهابياً غير أن يختلف مع الآخر ويصارح الآخر. له أن يرفض الآخر هذا حقه، شرط أن لا يُنزل به الترويع وأن لا يشعره بالرعب ، بحيث لا يعرف من أين تأتيه الضربة. وحين نحاور أحداً، علينا أن لا نتوقع منه أن يوجه إلينا ضربة ، إنما نتوقع منه رأياً مخالفاً لرأينا، أنا أتصور أن مواجهة الإرهاب تتطلب أن نحلل مركب الإرهاب، ذلك لأن الإرهاب مركب وليس عنصراً، إن للإرهاب ثقافة وخطاباً وإعلاماً وأموالا ورموزا وفقها منحرفا، وهي كلها عناصر تتفاعل معاً لتنتج من يقوم بتنفيذ الإرهاب وهو المنتحر الإرهابي. هناك دول تعد مقومات دعم الإرهاب، كإقامة المعسكرات والتسليح وما شابه من الدعم اللوجستي، وهناك دول تموله، كما أن هناك دولا تنتجه، وأخرى ناقلة أو موصلة له، وهناك دول حاضنة له. هذا المركب يجب أن نضعه على قدم المساواة من حيث تحميله المسؤولية عن الإرهاب، هذا هو الإرهاب أما خطة مكافحته، فيجب أن تتضمن ثلاث صفحات هي على التوالي: 1 ـ مواجهة الإرهاب. 2 ـ معالجة آثار الإرهاب. 3 ـ الأمن الوقائي ضد الإرهاب. وأقصد بالأمن الوقائي توفير الدراسات والمعطيات عن هذه الظاهرة وأسباب نشوئها وانتشارها، ويكلف بذلك أصحاب الخبرة في العالم لمعرفة المؤشرات التي تشير إلى المناطق المرشحة للإرهاب إنتاجاً أو تمركزاً؟ وإلى أين ينساب في البلد الواحد؟ من مدينة أو من منطقة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر. وفي الوقت الذي يجب أن نرسم فيه خطة الهجوم على الإرهاب، نضع فيه وبموازاتها خطة وقائية تضمن أن لا يتسرب إلى منطقة أخرى، خلافاً لما هو عليه الوضع الآن، حيث إننا ما إن نُفرغ الإرهاب من مدينة معينة، حتى ينساب إلى مدينة أخرى وبالعكس. يجب أن توضع خطة لضمان أننا حين نواجه الإرهاب تتولى صفحة الأمن الوقائي مهمة الحيلولة دون وقوع هذه المنطقة فريسة للإرهاب مرة أخرى، أما الصفحة الثالثة المتعلقة بمعالجة آثار الإرهاب، فهذه تتطلب نشوء حالة ثقافية وتعبوية لدى العالم كله ليدرك أنه ضحية الإرهاب، وليبدأ بالسعي لتخفيف ما يعانيه، وذلك عبر إزالة آثار الإرهاب عن الأسر وعن الأطفال وعن المجتمعات. هذه الثقافة سوف تنمي ضمناً تعاطفاً مع ضحايا الإرهاب ورفض الإرهابيين. يجب ألاَّ نتهاون في حربنا هذه مع الإرهاب، لأنها حرب متعددة الجبهات، وذات مداخل ومفاصل بالغة التعقيد، فهو كالوباء، لا تعرف من أي نافذة أو ثقب يدخل، خاصة وأن للإرهاب ثقافة تساعده على مد خيوطه إلى عقول الشباب، ويعمل على ترويجها خطباء متمرسون يلبسون مسوح الدين، وفقهاء يرتدون أقنعة التقوى والإيمان، وفضائيات ووسائل إعلام تتسلل إلى كل بيت. هذه المكونات كلها يجب أن تعامل سواسية. حتى دول إيواء الإرهاب ينبغي أن تشمل بالمكافحة. سوف نجد من يقول: إنه لا يوجد لديه إرهابيون، لكنه يؤيد أعمالهم في دول أخرى. كذلك سوف نجد لديه وعاظا للإرهاب الذين يستخدمون الرصيد الديني لتبرير عملية الانتحار للشاب، بقولهم: إن هذا عملا دينيا يؤدي بك إلى الجنة. إن هؤلاء أيضاً يجب أن يُدرجوا ضمن لائحة الإرهاب، إذ ينبغي التصدي لإعادة بنائهم المعرفي، وتقويم سلوكهم، والحد من آثارهم التخريبية. إن الثقافة تأتي في مقدمة أولويات الأمن الوقائي ضد الإرهاب، فقبل وضع القانون يجب نشر الثقافة، وقبلها لا بد من نشر القيم الأخلاقية والإنسانية. إن الإنسان يبنى على قاعدة القيم، وهو لا يزال في سنواته الأولى، حتى قبل أن يبدأ عقله باستيعاب الأفكار، إذ إن الطفل ابتداء من السنوات الأولى من عمره، يبدأ بالتقاط ما هو صح وما هو خطأ، هذا محبب وهذا مكروه، وهذا مرفوض وهذا مقبول.. إلخ. إن جهاز القيم عند الطفل يبدأ بالعمل منذ السنوات السبع الأولى؛ حيث تتشكل حينها منظومة القيم عنده، هناك أم تشجعه على الصدق أو تدفعه إلى الكذب، وأم تزرع فيه الحسد أو الحقد، بدلاً من الحب والتعاون، وهناك أم أخرى تأبى عليه أن يكون حسوداً، فتنمي فيه روح الحب والإيثار والتضحية. يحدث هذا قبل أن يخرج إلى المجتمع والمدرسة، حيث تأتي مرحلة البناء الثقافي، ويبدأ مرحلة التلقي ومن ثم النضج التدريجي. إن المقبول الثقافي يتشكل على بنية تحتية، وبالتالي فإنه لا يأخذ دائماً المفهوم الصحيح بالضرورة؛ ربما يعيد النظر بالقيم الخاطئة على ضوء المفاهيم الصحيحة، لكن ذلك ضرب بالشعور وباللاشعور، وقد لا يقبل مراجعة منظومته القيمية، فيقع أسيراً لها تماماً، وعليه قد نرى أناساً ينخرطون في اتجاهات سياسية سيئة، ولكنهم يحملون قيماً نبيلة، حيث تلمس مقدار صدقه وثقافته وأدبه وبعده الإنساني، لذا أتعجب من حصول أمر كهذا؟ وعلى سبيل المثال فقد حدثت في أقبية أجهزة الأمن والمخابرات العراقية في العهد البائد، مواقف رائعة، حيث تعاطف بعض السجانين مع السجناء، ولدي على ذلك شواهد كثيرة نقلت من داخل السجون، فيما قد نرى العكس من ذلك تماماً، شخص تربى في عائلة موبوءة، كبر واتجه اتجاهاً اجتماعياً نظيفاً، فاكتسب مسلكاً إسلامياً دينياً متزناً، لكنه حسود وأناني ومصلحي، مثل هكذا شخص تكون مرحلة القيم الأولى التي تشكّلت في شخصيته لا تزال تؤثر عليه، ولم يستطع الانفكاك منها. علينا أن نواكب مسيرة الإنسان منذ انطلاقتها كي نبني أو نساهم في بناء إنسان سوي، قد نرى من خلال التلفزيون، نموذجين من الأمهات، فمثلاً قد يقع حادثان في منطقتين من بغداد، ويقع ضحايا، ثم تظهر على الشاشة أُم من الغزالية وأخرى من مدينة الصدر تتألمان لأنين الضحايا، والابن يشاهد أنين أمه وتألمها، هذه تكون بذلك قد زرعت فيه البعد الإنساني، لكنه لو رأى أمه وهي تشاهد الحادثة التي وقعت في مدينة الصدر وهي من الغزالية مثلاً أو بالعكس، تتشفى وتشمت فإنه سيتغذى من مشاعر الحقد والكراهية، وبالتالي سيتربى عليها لتؤثر فيه مستقبلاً. كل مشاكلنا مع قادة العالم الذين أشعلوا فتيل الحروب، كانت بتأثير سنواتهم الأولى، لو أخذنا أغلب قادة العالم وحللنا شخصياتهم واستخلصنا القيم التي مرت بهم أو تربوا عليها، سنكتشف كم كان لتربيتهم من دور في ما فعلوه. علينا أن ننظر إلى هذه القضية لنوفر من ثم إمكانات إعادة نشر القيم الخيرة وتثقيف الأمهات على ذلك، لنبدأ من ثقافة رياض الأطفال والمدارس والمعلمين، ونراقب بجدية ماذا يفعل المعلم أو التربوي، ثم نرتقي على السلم الثقافي ونطور خطابنا، بحيث نوظف الممثلين على المسرح والشعراء والفنانين بمختلف عطاءاتهم، بإمكاننا أن نوظف كلاً بدوره وبمساهمته وبطرق ندخل فيها كل بيت. حينما يمارس الإرهابي القتل، يجب أن يحكم عليه بما يستحق وفق القانون والقضاء العادل، لكن كيف نتكلم مع ابنه، كيف يفهم أننا لسنا نحن الذي جنينا عليه؟ إنما والده بما قام به، كان السبب في الجناية؟ إننا لا نريده أن يصبح مجرماً مثله، بل أن يصبح مواطناً صالحاً يساهم مع أهله وإخوته في بناء نفسه ووطنه، ولذلك نرعاه وننصفه ونقول له والدك في صفة كذا، كان جيداً، لكنه في صفحات أخرى كان سيئاً، وتسبب في إزهاق أرواح أناس أبرياء؟ هذه هي الخطة الاستراتيجية التي علينا سلوكها في بناء القيم في إنساننا، ولكي لا نتصور أننا نتحدث نظرياً، فإنني أنظِّر لمواجهة الإرهاب كرجل حكومة ورجل دولة، وهذه بعض خطط مورست فعلاً. من هنا نجد أنفسنا، وفي معرض مواجهة الإرهاب، أمام مسؤولية واسعة، سعة مركبات الإرهاب والعوامل والأسباب الكامنة خلفه، وبالتالي نحتاج إلى تعبئة كل الأجهزة، وكل حلقات التأثير التربوية والإعلامية، للتخلص منه، سواء من الناحية الفكرية أم السياسية أم الطائفية أم الاقتصادية. إن أجهزة الدولة لا تنظر إلى فلان وفلان من زاوية إنزال أقصى العقوبات بكل من يتجاوز الخطوط الحمراء، فالمهمة الرئيسة لها هي حماية أمن المجتمع، بمعنى أن ما تقوم به من أعمال، هدفه وقائي لا انتقامي. في الدول المتقدمة يثقفون مواطنيهم على احترام نظام المرور ويصرفون الكثير من الوقت على ذلك، يأتون إلى مدارس الأطفال ويشرحون لهم كيف يعبرون الشارع عند إضاءة الإشارة الخضراء المخصصة للمشاة، وكيف يمتنعون عن ذلك عند إضاءة الإشارة الحمراء. هذه الثقافة غير معزولة عن العقوبة، الكاميرات الخفية في الشارع تصور المخالف، والعقوبة تحاصره والتثقيف حاضر كذلك. هكذا يتجلى التكامل بين الثقافة والقانون، ليساهما معاً في صنع مجتمع يحترم القانون، لأن ذلك جزء من ثقافته، ومقاس لتحضره وارتقائه في سلم الإنسانية. إذا اعتمدنا العقوبة فقط دون ثقافة التحضر، فسرعان ما يعود المجتمع إلى الجهل، ذلك لأنه التزم من موقع الخوف وحسب، أما إذا ألغينا العقوبة كلياً، فمعناه أن التغيير سيحتاج إلى زمن طويل، فحتى نطير على جناحين، ينبغي على أجهزة الدولة أن تؤدي دورها. أجهزة التربية وكل أجهزة الحكومة، على كل جهاز أن يقوم بدوره، مثلاً، لدينا أجهزة مخابرات تأتينا بمعلومات محددة، فنحولها إلى قوات الجيش والشرطة، فتنفذ مهماتها بناء على تلك المعلومات، ومن ثم يجري إحضار الجناة ليتم تقديمهم إلى القضاء الذي ينزل بهم العقوبات حسب نصوص القانون وهكذا، فحين تجد إرهابياً بيده سلاح، تحتاج إلى قوة لإلقاء القبض عليه، لكن المعلم ينمي ثقافة جديدة، والأم تربي أولادها على قيم أخلاقية عالية، ذلك كله يشكل منظومة اجتماعية حضارية تنهض ببلدنا ومجتمعنا نحو الأفضل. د. إبراهيم الجعفري