عن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام ) قال :
قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :
« إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف لو جاءوا بذنوب أهل الدنيا :
رجل نصر ذريتي .
ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق .
ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب .
ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا »
عدد المساهمات : 149 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 16 الموقع : http://www.eslahiraq.net
موضوع: الإنتخابات الديمقراطية.. رؤية اسلامية الخميس 19 نوفمبر - 3:51
التسابق في المضمار السياسي للوصول الى مرفأ العدل الاجتماعي ونشر لواء الحريات الشخصية المختلفة واحترام حقوق الانسان سمة اساسية رافقت مسيرة الامم والشعوب على طول التاريخ؛ وكثيرا ما دأبت الشعوب التي رزحت تحت نير العبودية والدكتاتورية واكتوت بنارها تناضل من أجل نيل الاستقلال والتحرر من أي تحكم داخلي أو خارجي.
وحيث يتطلع ابناء الشعوب عامة الى تحقيق هذا الهدف الانساني الذي يجسد ارادتهم في بناء حاضرهم ويضمن مستقبلهم ويصون مصيرهم فقد كان من الطبيعي والمتوقع أن ينفتحوا على كل تجارب العالم من الزاويتين التاريخية والمعاصرة ما دامت التجربة السياسية هي تجربة إنسانية لا تقف عند حد القبيلة أو الشعب أو القومية أو الطبقة أو المذهب...
الديمقراطية ببعدها الانساني توفرت على مشتركات كثيرة تلتقي فيها مع الانظمة الاجتماعية الاخرى المختلفة, دينية كانت أم علمانية؛ وهو ما جعل الممارسة الديمقراطية أسّا مشتركا في الكثير من بلدان العالم المتطلعة الى الانتصار لارادة شعوبها ما دامت الديمقراطية من الزاوية الانسانية هي كما يقول ابراهام لنكولن " من الشعب والى الشعب وبواسطة الشعب ".
تأسيسا على المفهوم الانساني المشترك والواسع للانظمة الديمقراطية فقد أصبح مجال التعاطي الديمقراطي بين الدول الاعضاء في النادي الديمقراطي خصبا ومغريا مما يعزز قوة الانظمة الديمقراطية من داخلها وفي مجال العلاقات الخارجية لبعضها البعض بحيث أصبح القرب السياسي الديمقراطي متقدما على القرب الجغرافي فقد تتباعد دول متقاربة جغرافيا وقد تتقارب أخرى ديمقراطيا وهي متباعدة جغرافيا؛ وترتب على هذه الحقيقة واقع التعامل النابع من الاعماق الاجتماعية الصانعة للانظمة والمؤثرة فيها.
على الرغم من تعدد صيغ الأنظمة الديمقراطية مع توالي الفترات التاريخية، ومع تباين مجتمعات العالم المعاصر، إلا أن مساحة مشتركة بينها تبدو واضحة للعيان منها ما يتعلق بالإنطلاق من القاعدة الجماهيرية، ومنها ما يتعلق بمراعاة حقوق الإنسان والحريات الشخصية وإعطاء المرأة دورها الأساس في بناء المجتمع والمشاركة الحقيقية في أجهزة الدولة المختلفة، وحماية الأقليات والدفاع عن حقوقها وتداول السلطة، واشاعة الثقافة الدستورية من أجل تطبيقها وتقنين عمل المؤسسات.....
هناك دينامية في العملية الديمقراطية تستمد من طبيعة دينامية الانسان الفرد وتجربته الاجتماعية وما تفضي اليه من دينامية تنعكس على نتاجات العملية الديمقراطية من الدستور والحكومة والبرلمان، لذلك شهدت منحنيات التجارب التاريخية لكل بلدان العالم الديمقراطي حالة من التغير بين فترة وأخرى نحو التكامل، مما جعلها في حالة تبدل مستمر في بعض مواد دستورها وفي نظرتها للبرلمان والحكومة.
من غير الصحيح المقارنة بين حاضر التجربة الديمقراطية الفتية في بلد "الوليد الديمقراطي" بحاضر بلد آخر يمثل مرحلة " البناء الديمقراطي الفوقي"؛ فمرحلة "التـأسيس الديمقراطي" غير مرحلة "المؤسسات الفوقية الديمقراطية"؛ ولو أن المطلوب من الانظمة الديمقراطية الوليدة الاستفادة مما سبقتها من أنظمة لكيلا تبدأ من حيث بدأت؛ ولكن لا يتوقع أن تبدأ من حيث انتهت؛ فالديمقراطية فكر وثقافة وقيم ومناخ اجتماعي تبعث كلها على الوعي الكافي والكاشف عن الخيار الافضل لصالح الشعب، خيار المنهج وخيار القوة السياسية وخيار الرمز... ولما كانت الديمقراطية كلا لا يتجزأ من الناحية الانسانية فلا يمكن تصور ديمقراطية سياسية من دون ديمقراطية اقتصادية وديمقراطية امنية... كل ذلك يتطلب المزيد من الوعي السياسي.
إن الفكر الديمقراطي في مجال التطبيق يشكل اليوم ظاهرة تتسع في كل بلدان العالم، مضطردة مع الزمن وهذا ما يكشف أن شعوب العالم استيقظت من غفلة الخضوع للأنظمة الديكتاتورية بصيغها المختلفة، وأصرت على بدء مشوار الانتصار لإرادتها وتحكيم مبادئها ورسم هيكليات البنى الفوقية على اساس الحضور الجماهيري بالشكل الذي تعكس البنى الفوقية إرادة الجماهير كمكون لها وأنها متحكمة فيها ومستفيدة منها.
من هنا فان المركب الديمقراطي المتنامي حديثاً في أي بلد من بلدان العالم يسجل في مؤشراته المختلفة انتصارا لإرادة الشعوب. وان كل شعب من الشعوب حين يلتحق بالركب الديمقراطي هو في الحقيقة يشير الى انتصار الانسانية كلها، وأن اي إخفاق لأي تجربة ديمقراطية وفي اي بلد يشير في العمق الى اخفاق في الكلي الانساني.
وهذا يعني ان الديمقراطية في كل بلد وإن كانت تتحرك في اطار سيادة البلد وترمز الى إستقلاله، وترفض الخضوع لأي دولة اخرى، أقول: رغم ذلك فإن النجاح والفشل في اي بلد ديمقراطي هو نجاح أو فشل للمركب الديمقراطي في العالم كله؛ وهذا ما يجعل مسؤولية نجاح الديمقراطية في أي بلد على عاتق كل شعوب العالم وحكوماته الديمقراطية مع انها مستقلة وغير مرتهنة فيها؛ وهو ما يقتضي من الشعوب المتقدمة في المضمار الديمقراطي أن تسند الشعوب حديثة التجربة من دون تسيّد كما يقتضي على الاخيرة أن تأخذ من دون مكابرة.
وانطلاقا من مبدأ تبادلية التأثير بين القواعد الجماهيرية الواسعة لأي شعب والقوى السياسية المتصدية، في مجال التعاطي الديمقراطي نجد أن منحنى الارتقاء الديمقراطي ما بين انطلاقة الديمقراطية فيها والتي تشكل ما بدأت به، والمستوى الذي حققته في اشواطها اللاحقة وما وصلت اليه، قد قطعا شوطاً كبيراً، وعليه فلا بد من اعطاء شعبنا العراقي وقواه السياسية هذه الفرصة للإرتقاء على السلم الديمقراطي شأنه شأن شعوب العالم.
الديمقراطية ليست مقاسا إقليميا ولا حتى قوميا أو أمميا بل هي مقاس إنساني وعالمي مما يعني أننا لا ينبغي أن نستسلم لاقتصار الديمقارطية على بلدان الواقع الديمقراطي الفعلي؛ كسويسرا والدول الاسكندنافية وأميركا وبريطانيا وباقي الدول المماثلة؛ وهذا يعني أن الديمقراطية وإن كانت حالة واحدة لكن الدول الديمقراطية ليست واحدة بحسب ارتقائها على السلم الديمقراطي. أود أن أشير في هذا الصدد الى أننا نسمع بظهور إتجاه حتى من بعض المثقفين، ينادي الى تجزئة الديمقراطية والى إعتماد مرحلة التمرين الديمقراطي قبل الشروع بها، بحجّة أن تتقبل الشعوب الممارسة الديمقراطية؛ ونأخذ على أصحاب هذا الإتجاه أنهم يحاولوا التقليل من وعي الشعوب وشأنها الثقافي والسلوكي، كما أنهم يتعاملون مع الديمقراطية على أنها نظرية مجردة تحتاج الى إستيعاب أكاديمي، وليس على أنها مشروع عمل له تطبيقاته في الساحة، وينمو من خلال الممارسة؛ إنّ نظرة كهذه تنمّ عن نزعة إقصائية تحاول أن تبث سياسة الهيمنة والعزل وتدفع ببعض بلدان العالم المعني بالتطور الى التمرد؛ عقدة الاستعلاء هذه لن تغيّر من واقع حركة الشعوب نحو الانعتاق والتطلع الواعد للمستقبل.
ويستند أصحاب هذا الإتجاه على ما جرى ويجري في بعض البلدان ومنها العراق، فيحاولون تفسير التدهور الأمني وبروز العنف، على أنه نتيجة القفزة الكبيرة من الدكتاتورية الى الديمقراطية، ويرسمون حلولهم للواقع العراقي، على أنه يحتاج الى فترة من المران الديمقراطي، قبل أن يتم إعتماد الديمقراطية في الدولة.؛ الحقيقة أن ما يحدث في العراق ليس بسبب التحول من الديكتاتورية الى الديمقراطية، إنما له عوامل وأسبابه المرتبطة بقوى الإرهاب التي تخطط وتعمل لتقويض الديمقراطية من الأساس، لأن الهدف عندها هو أن لا يشهد العراق واقعاً ديمقراطياً وانها لا ترضى بغير العودة الى ما قبل سقوط نظام صدام حسين.
ونستند في ذلك الى أن العمليات الإرهابية أخذت منحنى تصاعدياً مع تقدم العملية الديمقراطية في العراق، فمع كل إنجاز جديد تنتقل قوى الإرهاب الى موقع دموي جديد؛ وتشير الاحصاءات الدقيقة وهي معروفة للجميع، أن إستهداف المواطن العراقي لم يكن موجوداً في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط النظام، لكن المواطن العراقي أصبح مستهدفاً مع مرور الوقت، وكأن عناصر الارهاب تنظر الى هذا المواطن على أنه عامل بناء ديمقراطي، فأرادت أن ترديه قتيلاً لتقتل المشروع الديمقراطي في العراق.
إن الديمقراطية ممارسة واقعية وليست فكرة مجردة وهي تحتاج الى تهيئة مناخات سياسية واجتماعية لتعزيزها وممارستها وقد أثبت الشعب العراقي بأنه سريع الاستلهام لهذه الثقافة؛ وحيث أن الديمقراطية فعل انساني يحقق اهدافا مهمة لشعوب وأمم العالم ويؤكد تقاربها الانساني المشترك فإن ردود الفعل التي تثيرها الديمقراطية في كل سياقاتها العملية تاخذ منحى مضادا للارهاب وهو ما يثير في الارهاب نوازع الشر والذي تستبد فيه عقدة الانتقام وجنون التوحش مما يجعل المسرح السياسي أمام ظاهرتين ظاهرة الديمقراطية وظاهرة الارهاب.
ولنا أن نسجل ملاحظة في مجال الديمقراطية في العالم العربي، وهي أن ثمة نظرة يراد لها أن تنمو وتتسع في الساحة السياسية، مفادها أن الديمقراطية صناعة أميركية يجب أن تواجه بالمقاطعة؛ صحيح أن هذه النظرة لم تصل الى مستوى الظاهرة في البلدان العربية، لكن بوادرها بدأت تظهر وربما ستتحول الى اتجاه في الثقافة العربية ما لم يتم التعامل معها بواقعية بدءً من هذه اللحظة. فربما ينمو هذا الاتجاه ويتعاظم، ونقف بعد حين لنواجه ثقافة اسمها الديكتاتورية كمرادف للوطنية والاستقلال والسيادة، في مقابل الديمقراطية كمرادف للتدخل الأجنبي. ولهذا دليله التاريخي في بدايات القرن العشرين، حين تصدت جماعات من الشعوب العربية الخاضعة للدولة العثمانية لفكرة الدستور، ظناً منها أن ذلك يهدف الى تقويض حكم المسلمين، والإتيان بحكم الغرب، لأن النظرة التي كانت سائدة أيامذاك أن الحركة الدستورية قادمة من الغرب، وأن الديكتاتورية تضمن مواجهة التحدي الغربي، أو على الأقل انها تحفظ كيانية الدولة الاسلامية.