تيار الاصلاح الوطني مؤسس المنتدى
عدد المساهمات : 149 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 16 الموقع : http://www.eslahiraq.net
| موضوع: المصطلح .. أسئلة الحضارة؟ وأزمات الممارسة! الخميس 19 نوفمبر - 4:10 | |
| مقدمة :
يُعدُ المصطلح داخل السياق المعرفي العام، وفي ركب الحضارة، التاريخي منه والمُحدَث، عاملا ضروريا ومؤثرا في بلورة النسيج الثقافي الانساني، كما أن طريقة استخداماتِهِ وسيرورتِه عبر الزمن؛ تُسهم في صناعةِ القرون ورسمِ ملامح المجتمعات، وتُحددُ التفاصيل الدقيقة للـبُنى المختلفة التي استجابت - عن قصد أو غير قصد – لتأثير المصطلح؛ فعاشت مُرغـَمةً في موجةِ المتعدد والمثير .. ويُعاني أيُّ مصطلح في لحظة ميلاده من عدة إرهاصات؛ لكونه يقطع الطريق نحو تشكل ( المفاهيم ) اللاحقة، التي ستجاوره وتحيط به فيما بعد؛ لتفرز هي الأخرى لَبِناتٍ فكريةً؛ تؤسس منهجًا ما يُفسرُ الواقع على مقاس منظورات عالية التفلسف وكثيرة التصورات، فضلا عن أنها تحمل قصدية في تقديم نفسها للعالم. ؛ونظرا لتعدد زوايا النظر وتشعبها، يكتسب المصطلح ،بسبب ذلك، ألوانا من التوصيفات التي تخضعه المدارس الفكرية المنتجة له في كثير من الأحيان لقوالبها الصارمة؛ فتمنحه بذلك جيناتها الوراثية؛ لتجعله رازحا تحت عقدة الانتماء التي فرضت على المصطلح عنوة . هذه الرؤية أسهمت في وضع العقل أمام تحديات كثيرة، وأجبرته على مواجهتها ؛فعمل بعد ذلك على إذابة جليد التساؤلات من خلال إقناع نفسه بنحت المصطلح المناسب لمنظومته المعرفية الخصوصية، الذي ستكون مهمته الأساسية هي خلق نمط التفكير الملائم؛ لأنه جاء استجابة لتنفسٍ حياتي ملح فرضَه ويفرضه باستمرار إيقاعُ الزمن المتسارع . ويبدو أن إشكالية المصطلح لم تستطع أن تخلص نفسها – ولن تفعل - لأنها تعاني أزمتين جوهريتين باتت كمسلمتين عصيتين عن الحل وهما: أزمة انتاج الأفاهيم للمفاهيم اللاحقة، وأزمة إخضاع تلك المفاهيم على طاولة الاختبار والتطبيق . إذن، المشكلة في ما هو نظري، وما هو عمَلي فيما بعد. كيف نفهم المصطلح ؟ وما هي متطلبات نشوئه؟ ولماذا يعمل بمنطق الرأي والرأي المضاد؟ هذه التساؤلات تُناقشها فصول هذه السلسلة من خلال الحوار المستفيض مع الدكتور إبراهيم الجعفري الذي سيجد فيه القارئ أنه يرسو في نهايته على إجابات شافية لَبّتْ تساؤلاتِه حين طلبْ، وأراحت لهاثَه بعدَ نَصَبْ .
الفصل الأول مدخل في أهمية المصطلح :
بسم الله الرحمن الرحيم
( يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ) .
( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليًّا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله فلا يؤمنون إلا قليلا ) .
شهدت عملية الصراع في حياة البشرية أنواعا متعددة من الحروب, بحسب الاليات التي تستخدمها؛ فمن الحرب "بالسلاح الابيض"، إلى "حرب الاسلحة الخفيفة"، إلى "الحرب الكيماوية"، إلى "الحرب الجرثومية"، إلى"الحرب النووية"، إلى "الحرب الباردة"، إلى حرب "الاقمار الصناعية"، أو "حرب النجوم". غير أنّ "حرب المصطلحات" ظلت أوسع دائرة من الناحية الميدانية، وأقدم زمنا من الناحية التأريخية، وأكثر شمولا من حيث أطراف التداول، وأبعد مدى من حيث الاهداف والنتائج والتأثير، وأسهل تداولا من الناحية العملية. من الصعب إن لم يكن من المستحيل على المهتمين في هذا الشأن أن يؤرخوا لبداية ظهور المصطلح, أو بداية حرب المصطلحات, غير أنّ ذلك لا يلغي حقيقة ظهوره المبكر على مسرح التعاطي الفكري منذ فجر التأريخ, والتي أحسّ فيها الانسان بأهمية نقل الفكرة إلى الآخر, ومحاولة فهمه وعنونة ما يحمل من أفكار, ريثما يسعى للتأثير فيه أو التأثر به. وهذا بطبيعة الحال لم يكن ولن يكون بعيدا عن الرسالات السماوية التي تولت هداية الانسان وترشيد مسيرته, وهو يجتاز منعطفات الحياة الحادة؛ وهي صاحبة السبق الزمني في هذا المضمار . وعليه فمن المؤكد أن يكون المصطلح الديني قد دخل أول ما دخل عالم التداول باعتباره السبّاق والمعني في مجال البناء؛ ومن المرجّح أن يكون الأول كذلك في الدخول بأتون حرب المصطلحات, نظرا لما واجه من صدود ومواجهة من الاخرين. وقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة المواجهة التي خاض غمارها الانبياء (عليهم السلام) عبر التأريخ, مع كل من واجه دعوتهم من المعاندين والطواغيت. فنوح (عليه السلام) يحاور قومه, وهم يردّون عليه: (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال ياقومي ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ). ولكن حين يتمادى فرعون في طغيانه ويتوعد موسى (عليه السلام) بالقتل متهما إياه ب "تبديل الدين" و"الفساد" فيما يرد نبي الله عليه أنه "متكبّر". فمصطلح "تبديل الدين" عند فرعون يعني ما أقدم عليه موسى من عمل يستهدف فيه تبديل عبادة الاصنام وإحلال عبادة الله وحده وأما مصطلح "الفساد" فهو مايخشاه فرعون من تعاظم شخصية موسى لدى محبيه والتفافهم حوله مما يؤدي الى الثورة عليه وإن كان من صالح عموم. أما مصطلح "التكبّر" الذي جاء على لسان موسى (عليه السلام) فيحمل دلالة الافراط في الطغيان والظلم: "وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد * وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لايؤمن بيوم الحساب" وبمقدار ما يوجّه الدين المصطلح الوجهة الصحيحة, ويهتم به اهتماما بالغا, ويراعي فيه الدقة في توصيف الحالة التي يعنيها, سواء أكانت مرتبطة به أم بالاخرين, حتى يكون المصطلح أداة جديرة في تحديد الهوية؛ نجد من الجانب الاخر, أنّ أعداءه هم الاخرين يُطلقون مصطلحاتم لاضعاف الدين, وتطويق التيّار الديني.غير أنها لاتتمتع بالدقة الكافية أحيانا, أوأنها- في أحيان أخرى- تتوخى تمويه الحقيقة, ولا تعكس إلا ردّ فعل من الفعل الديني. مثل هذه الادوات الفكرية (المصطلحات) كثيرا ما كانت تنطلي على بعض المثقفين, بل نفذت إلى بعض أوساطهم الدينية, رغم أنها كانت معبرة عن إرادة المخططين إليها خلف الكواليس. إذن ، حين نتحدث حول المصطلح وما يتعلق به، فذلك لأنه يلعب دورا مهما، وأساسيا في أي منظومة معرفية، حيث يعكس في محتوياته محتوى ثقافة معينة .
1- لفهم الفكر الاخر :
مما لا شك فيه، أن المصطلح يتأثر بخلفية الثقافة التي يتحرك في أروقتها؛ والمصطلحات عادة ما تكون معبرة، خصوصا المصطلحات السياسية، والفكرية. وحتى في بعض الأحيان المصطلحات ذات الطابع التربوي، لأنها تعكس الخلفية المعرفية لمولدي وصُنـّاع ذلك المصطلح . واحسب أن قضية المصطلحات قديمة قـِدَم الثقافة، ومنذ فجر التاريخ. والمصطلحات تتحرك على مسرح الحياة بمناح ٍ متعددة .. بتعدد الثقافات، والحضارات؛ لذلك اهتمت الديانات بالمصطلح، ونحتت المصطلح نحتا دقيقا؛ بوصفها ديانات سماوية، حيث يبلغ المصطلح ذروته في الكمال التوصيفي - إذا صحَّ التعبير- حين يصف الحالة بدقة كاملة، ويأتي بمفهوم محدد. على سبيل المثال : عندما يقرأ الإنسان " سورة البقرة " نجد كيف يـُحدد القرآن الكريم، وعن طريق التفريق الدقيق، بين المؤمن، والكافر، والمنافق. وعلى الخلافات التي حصلت بتعريف المؤمن، نجد الذي يؤمن بالله (تبارك وتعالى) يؤمن بقلبه، ويطرح ذلك بلسانه؛ فهو مؤمن. ومن يكفر به، بقلبه، ويظهر ذلك بلسانه؛ فهو كافر. ومـَن لا يؤمن به بقلبه، لكنه يظهر (إيمانا) بلسانه فقط ؛ فهو منافق. إذن أنت أمام مفردة، تحدد المفهوم الذي ينطبق على المصداقية بشكل لايخرج عنه . وهذا المصطلح، قبل أن نتحرك معه، ونمتد إلى الحروب والسجالات التي حصلت، حيث انتقلت من النمطية الفكرية العامة، إلى النمطية الاصطلاحية، وأنتجت ما أسميه بـ " حرب المصطلحات ". هنا نجد أن المصطلح يحمل في داخله حالة من التركيب، والتكوين، والصياغة الخارجية التي قد تكون ايجابية، وقد تكون سلبية. ولذلك نجد (نـُحّات) و(صـُنــّاع) ومهندسو المصطلح، يهتمون اهتماما خاصا، ويراعون الصياغة رعاية خاصة، بحيث تصبح - جهد الإمكان- تعبيرا دقيقا عن نظرية معرفية، وفي الوقت نفسه ذات جاذبية.
2- وضع المصطلح لإيصال الفكر للآخر :
أما إذا أخذ المصطلح سياقه في مهاجمة الآخر، فإنه يحاول أن يخترق الآخر، ويـُضعف الآخر، عندما يتلقى المصطلح؛ عندئذ، يتحول المصطلح من أداة معرفية، إلى أداة ماضيةٍ ومؤثرة في الحرب " حرب المصطلحات". إن المصطلح يـُنحت بإسلوب تـُدركه مدرسة أصحاب المصطلح، والمدرسة المضادة .. مثال ذلك : مصطلح " دول العالم الحر " نحتته المدرسة الغربية، وهي : ( أمريكا، وأوروبا الغربية )، حيث سموا أنفسهم "دول العالم الحر " وهو ما يعني : أن هذا المصطلح ينطوي على مفهوم مفاده ما يلي : إننا في الوقت الذي نؤكد فيه لأنفسنا بأننا " عالم حر " يكون عالم الآخر " غير حر " وهو ما أراد أن يرمز له هذا المصطلح . هذا الأمر ولــّدَ في منظومة الاتحاد السوفيتي آنئذ، وأوروبا الشرقية، الرغبة في نحت مصطلح مقابل، أو مواجه، فنحتت مصطلح " الدول المحبة للسلام " في إشارة إلى إننا نحن المعنيين " بالحب للسلام " وأنتم (الغربيون)، لا تحبون السلام، أو انكم تحبون الحرب .. وهكذا أخذ المصطلح صفة سجالية . المصطلح، إذن، يلعب دورا كبيرا في طرح مفهوم مدرسة ما، كما انه قد يحمل في ثناياه، اتهاما لمدرسة أخرى . وقد خدم المصطلح مدارس فكرية، وسياسية، وحضارية معينة، خدمة كبيرة . أما في المجال العلمي، فنادرا ما يكون المصطلح، مصطلحا خارجا عن دائرة الحياد، أي: نادرا ما يكون غير حيادي .
3- ترتيب الأثر العلمي :
بين مصطلحي (الحد) و (التابو)، نظرة في صيانة الفكر من الاختراق. للمصطلح كذلك، أهمية في بناء الذات؛ فتكاد بعض المصطلحات إلى حد ما، تنفرد في قيمتها عن بقية المدارس الأخرى؛ لخدمة مدرسة فكرية معينة، أو حضارة معينة، كمصطلح: الـ ( التابو، taboo ) أي: المحرمات.
...." في واقع الامر فإن هذه (المقدسات : المحرمات) كانت أول تقنين إنساني سبق، بالاحساس، والضمير، والاعتقاد، وهو ما أكدته فيما بعد، شرائع السماء، وولاية الدول، وكتابة القوانين. ولعل ذلك، هو الذي أكسب هذه (المقدسات : المحرمات) سلطانها الغلاب، حتى فيما ترجىء الشرائع أمره الى يوم الحساب، وحتى فيما لا تراه عيون الدول، ولا تطاله مجالس القضاء!. إنّ اللغة العربية - لسوء الحظ - لم تنحت كلمة لوصف هذه (المقدسات : المحرمات)، وتتسع للدلالات التي تحملها كــلمة (تابو:Taboo )، وربما أنّ اللغات غير العربية، لم تنجح هي الاخرى في النحت، ولهذا فإن الكلمة الانجليزية (تابو :Taboo )، ذاعت، وشاع استعمالها، حتى أصبحت وصفا عالميا دالا، ومقبولا في العديد من لغات الارض، لوصف حالة إنسانية مركبة وغائرة في أعماق تجربة المجتمات، والحضارات، وفاعلة ومؤثرة، في وجدان البشر وضمائرهم، مستقرة في لاوعيهم، حاكمة بذات الوقت على فعلهم الواعي، وعلى توجهاتهم ... " طبعا، هنا لا أريد أن ادخل في النقد العام، ولكن لا بأس أن أشير له ولو بشكل عابر . فأقول : مصطلح التابو (taboo) دبلج، ويعني : المقدسات، والمحرمات الدائمة .. وهذا شيء لا يقبل النقاش . لكن عندنا في الاسلام، كلمة مناسبة ودقيقة، وهي من حيث الأحرف أقل عددا، ومن حيث التوصيف، أكثر دقة من مصطلح التابو، ألا وهي كلمة أو مصطلح "الحد" . ( الحد : الفصل بين الشيئين، لئلا يختلط أحدهما بالآخر، ولئلا يتعدى، أحدهما على الآخر، وجمعه حدود .. ) "2 وحــّد (الزنا) أو (الخمر) سُمّي به، لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله، ومانعا لغيره أن يسلك مسلكه، قال تعالى: "وتلك حدود الله ومن يتعدّ حدود الله " "الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله " أي: أحكامه، وقيل: حقائق معانيه، وجميع حدود الله على أربعة أوجه : إما شيء لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه، ولا القصور عنه، كأعداد ركعات صلاة الفرض، وأما شيء تجوز الزيادة عليه، ولا يجوز النقصان عنه، وإما شيء يجوز النقصان عنه، ولا تجوز الزيادة عليه. القرآن الكريم، مرة يشير الى الحدود بـ "ولا تقربوها"، عندما تعني "المحرمات"؛ كقوله تعالى : "وتلك حدود الله فلا تقربوها" باعتبارها إشارة الى المنهيات والمحرمات؛ ومن الطبيعي، أن يحذر القرآن الكريم من أصل الاقتراب منها؛ ومرة أخرى يشير بـ "فلا تعتدوها" وبذلك يثبّت حقيقة كونها "غير محرمات – غير منهيات" أي: انها دائرة المقدسات، وبالتالي لا يسمح بتجاوزها كقوله تعالى : " ...تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون". ولما كانت هذه "المقدسات" هي القوانين والاحكام الالهية، فإن القرآن الكريم، يحذر من مغبّة التعدّي عليها، والوقوع في دائرة الظلم؛ في الاية السابقة، وآيات كثيرة أخرى، عبّرت عن القوانين الالهية بكلمة "حد" وبهذا فإنّ مخالفة هذه القوانين تعدٍّ للحد. وبين الاعمال التي يؤدّيها الانسان، توجد في الحقيقة مجموعة مناطق ممنوعة، الدخول فيها خطر جدا، القوانين والاحكام الالهية تشخّص هذه المناطق الممنوعة، وهي مثل علامات تنتصب على مثل تلك المناطق؛ ولذلك ورد النهي عن الاقتراب من هذه الحدود: "تلك حدود الله فلا تقربوها" لأن الاقتراب منها، يعرّض الانسان الى خطر السقوط في الهاوية"1؛ ومن هذا نخرج بنتيجة مفادها: أنّ "الحدّ" ينطوي على حدّ (المقدّس) وحدّ (المحرّم) معاً. وقد جاء هذا التعبير (حدود الله) في أكثر من آية، من أجل التأكيد على الاهتمام القرآني، بالالتزام الحاسم الشرعي بالأحكام، والقوانين والتعاليم الاجتماعية. لأن القضية المطروحة في حركة العقيدة، في الانسان، هي أن تتحول التفضيلية في التشريع، إلى خطط عملية في السلوك الانساني، باعتبار أن الأحكام الشرعية تمثل التجسيد الواقعي للقيم الروحية، والأخلاقية، والاجتماعية في واقع الانسان. الأمر الذي يفرض زيادة التأكيد، على الوقوف عندها، وعدم تجاوزها؛ لأن الالتزام بالرسالة، يمثل في الانسان، الانطلاق في حركته الوجودية، من خلال ما أمر الله به، وفي سلبياته الحركية من خلال ما نهى الله عنه .. 2 إذن المصطلح يحمل في آثاره وبصماته، آثار وبصمات المدرسة الفكرية التي يحملها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 - ناصر مكارم الشيرازي / تفسير الامثل / مؤسسة البعثة بيروت / المجلد الثاني / ص 107. 2- محمد حسين فضل الله / تفسير من وحي القرآن / دار الملاك / ط 2 / م 7 / ص 130 .
الفصل الثاني
المصطلح بين الحرب والسلام
1- المصطلح : طريقة تصميمه وفخ سهولة تداوله :
توطئة : أحسب ان حرب المصطلحات، إذا أخذناها في موازاة الحروب المتنوعة التي حصلت في التأريخ كـالحرب الجرثومية، والحرب الكيمياوية، والحرب النووية, وحرب الشوارع, وحرب الجبال, وحرب العصابات ... عندئذ تكون حرب المصطلحات أقدمها، وأبلغها تأثيرا، وأدومها، وأسهلها تداولا بين الناس . انظر كيف يوظف الآخر مصطلح (الرجعية) عندما يواجه حالة إسلامية، وكيف يستخدم صاحب المدرسة الأخرى، مصطلحا مضادا، وهكذا يكون التعاطي المصطلحي للهجوم، او الحماية، هو حالة تعبوية؛ فيأخذ المصطلح نمطيات مختلفة، بحسب ما يقصده صانع المصطلح . بعض الأحيان، يمكن أن يـُقدم البعض على عمل وحشي، وصاحب هذا العمل، يحاول أن يـُزين عمله، بمصطلح قد يمُر على الأخر، ويكون مقبولا لكي يُمرر عليه. مثال ذلك : (الجنسوية) أو (التطهير الجنسي) . لاحظ كلمة (التطهير) هي : من الطهارة أي :عكس النجاسة, والجنسي : جنس من البشر، يريدون أن يُطهروا أنفسهم . للوهلة الأولى، يبدو المصطلح جيدا، لكن بالممارسة، يعني التطهير الجنسي : عملية الابادة العرقية . هذه العملية، هي إبادة لكل من يعتقد أن الآخرين خارجون عن جنسهم. واستخدم التطهير العرقي، في مناطق كـ (يوغسلافيا السابقة) يعني: الاستعلاء العرقي، وهو محاولة اجتثاث. وهكذا بطش البعض، وأشاع القتل في صفوف الآخرين, تحت عنوان (التطهير الجنسي) . مثال آخر : (القتل) .... أقصى حالات العنف، أو استخدام الشدة، لكن البعض يحاول أن يخفف عمله (القتل) بمصطلح سهل، حتى يعتاد الناس عليه لأنه سهل، ومن أجل امتصاص النقمة؛ فيقول بدلا عن (القتل) إنه: استخدام (الشدة المفرطة) وكأنه يريد أن يعبـِر حتى على (استخدام الشدة) كمصطلح، ويعوّد الناس عليه، ليحصر رفض استخدام الشدة بالإفراط في استعمالها. وعندما يريد أن يدينها (اي: الشدة) يقول : نحن لا نريد المبالغة في استخدام الشدة، لأنه قتل أطفالا وما شاكل ذلك؛ لذلك يسمي مصطلحا آخر . وهنا تأتي أهمية التفقه في المصطلح .
2- مصطلحات وغايات فكرية :
أ – الارهاب : إن التفقه في المصطلح، ومعرفته ثقافيا واجب. وأحسب أن الثقافة، ينبغي أن تصل إلى حد الإحاطة بكل مفردة، أي : ما تعني، وإلى ماَ تهدف .وهنا يأتي الأنموذج الأكثر شيوعا، واختلافا في الاستعمال، ألا وهو الارهاب . عندما نتحدث عن الإرهاب في الظرف الراهن، أكيد لا نقصد الإرهاب الذي أشار إليه القران الكريم: " ترهبون به عدو الله وعدوكم " . الإرهاب في المصطلح الحديث، لم يتفق على تعريف له، وربما تكون دوافع ذلك سياسية؛ فعندما يأتون على الصيغة التي تحدد الإرهاب، يجدون أنفسهم مضطرين لاستعماله بالشكل الذي يبعدهم، عن أن يكونوا جزءا من الحالة الإرهابية. بيد أن مصطلح (الإرهاب) بشكل أو بآخر، ينطبق عليهم؛ لذلك ما اتفقوا عليه، لأنهم - حسب اعتقادي - يتفقون على أنهم يمارسون الإرهاب بنحو أو بآخر، لأنهم كما عرفتْ (موسوعة السياسة للكيلاني) الارهاب : أنه استخدام العنف، في المجالات المختلفة للمواطن، سواء أكان بالممارسة، ام بالإرهاب في المجال الاجتماعي، ام النفسي، ام البدني وما شاكل ذلك . وإذا تفاعلنا مع هذا المفهوم، نعتقد أنه يمثل ملتقى الرفض لدى الأنظمة الاجتماعية المختلفة، سواء أكانت سماوية (دينية)، ام كانت أنظمة وضعية، لأنها تتوخى، وتستهدف إلحاق الضرر، وإرعاب المواطن، وإفزاعه. الإرهاب الحديث تحديدا، أو الإرهاب المعاصر، بدأ في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام ألفين وواحد . وحتى قبل الحادي عشر من أيلول ألفين وواحد، نجد ان الارهاب سبق حصل في نيويورك، وواشنطن، وقبلهما في مناطق مختلفة من العالم، حيث مورس الإرهاب، من قبل الأنظمة الدكتاتورية. أما في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ظهر الإرهاب بشكل عالمي، إذ برز وطفح إلى السطح، في اكبر عاصمتين في العالم .. العاصمة السياسية لأمريكا (واشنطن), والعاصمة الاقتصادية لها (نيويورك) . وهنا برز الارهاب بشكل واضح، حيث استخدمت الطائرات بشكل بشع؛ فكانت أداة الإرهاب فيها خسارة إنسانية، وهدف الإرهاب خسارة إنسانية، حيث تجلى الإرهاب في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) بشكل بشع جدا. في وقتها (أحداث الحادي عشر من سبتمبر)، كتبتُ عن الإرهاب موضوعا، وتـُرجم إلى اللغة الانكليزية. إذن، كل الممارسات التي اعتمدتها القوى الإرهابية سواء أكانت حكومات، ام منظمات، ام سلوكيات أفراد، استخدمت فيها أساليب تخرج فيها عن الطبع البشري, وهي محاولة ترويع المواطنين، وإفزاعهم، والاعتداء عليهم بالتهديد أو الممارسة . ومصطلح (الارهاب) طبعا بهذا التوصيف، يختلف تماما عن مصطلح المقاومة، او حرب التحرير، او الثورة .. هذا التجاور بالمصطلحات يجب ان يعقبه، تحديد دقيق، فهل ينطبق مصطلح (الارهاب) على كل من حمل السلاح، وشهره في وجه عدوه؟! ...هناك خلط بالتأكيد. إن المجتمعات التي تتعرض الى الدكتاتورية تحمل السلاح، وهذا رد فعل طبيعي. والثورات في العالم على الانظمة الدكتاتورية حملت السلاح. وهذه الثورات الكبرى في التاريخ: الثورة البريطانية، والثورة الفرنسية، والثورة الروسية، والثورة الصينية . البلدان التي تتعرض الى الاحتلال، هي الاخرى تشهر السلاح؛ فرنسا فعلت ذلك عندما احتلتها ألمانيا، والبرازيل فعلت ذلك عندما احتلتها البرتغال. والكويت فعلت ذلك عندما احتلها صدام حسين، واميركا كذلك عندما احتلتها بريطانيا... هذا امر طبيعي ، أي : كل الدول والامم السابقة الذكر، لها الحق في الدفاع عن نفسها من خلال شهر السلاح؛ وهذا بكل تأكيد أمر وارد. وتجدر الاشارة إلى أنه في 20 نوفمبر عام 1777 بعد أن عانت الجيوش البريطانية هزائم كثيرة في أمريكا، وكانت فرنسا تعين المستعمرات بالمال استمع، (شاتام) عضو مجلس اللوردات الريطاني، وهو قادم إلى مجلس اللوردات، كأنما من القبر، إلى (خطاب العرش الوزاري) بضيق متعاظم، وقام ليلقي خطابا عد من أروع ما سجلته البلاغة البريطانية من خطب، ففيه اجتمع التاريخ بالأدب، حيث قال : ( ... ولو كنت أمريكيا كما أنا انجليزي، ورأيت جنديا أجنبيا، يرسو في أرض وطني، لما وضعت سلاحي، أبدا، أبدا، أبدا، أبدا... ) 1 طبعا أنت لا تقدر ان تسمي من يثور ضد الاحتلال، ولا الذي يثور ضد الدكتاتورية (إرهابيا) . أما الأنظمة، والمنظمات، والمليشيات، وماشاكل ذلك، والتي تحمل السلاح بوجه المواطنين، وتروعهم، وتشيع في أوساطهم الفزع، والخوف، فما تقوم به، هو الإرهاب, سواء أكان ممارسة أم خوفا؛ لأن مجرد تخويفك هو إرهاب . في المرحلة الحاضرة - للأسف الشديد- اتسعت دائرة الإرهاب في كثير من بلدان العالم, و لعل اخطر صفحة من صفحات الحروب الان هي : "حرب الإرهاب" وأتصور أنها اقرب إلى التوصيف العالمي، لإنها عالمية. وهنا أريد أن استدرك : لماذا يصفون الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، بانهما (عالميتان)؟ لقد حدثتا في أوربا فقط!! وفي خواتيمهما دخلت أميركا! بينما هذه الحرب، أي : حرب الارهاب؛ فهي حرب عالمية صحيحة، هي الآن موجودة في أميركا، وفي أوروبا، وفي الشرق الأوسط، وأيضا موجودة في أفريقيا. حرب الارهاب هذه، لاتستهدف قواعد عسكرية فقط ، وإنما تدخل إلى حرم الجامعة, كما حدث في الجامعة المستنصرية, ودخلت إلى المساجد، والمعابد، والكنائس، دخلت من اجل أن تغتال المواطنين, حتى الاطفال في هذه الحرب باتوا أهدافا الآن في هذه الحرب التي تسمى (حرب الإرهاب). إن فعل الأنظمة السيء، والثقافات التي تحاول ان تركز على الجانب العنصري، وتضطهد، وتحدث ردود فعل .. وردود الفعل هذه قد تكون عشوائية مضادة، فنحن ندين كل ذلك، كما ندين في ذات الوقت الإرهاب، لذا يجب علينا، أن نـُدين العوامل التي تؤدي إليه، والجهات، والحكومات التي تؤدي إلى خلق الارهاب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- قصة الحضارة. ويل ديورانت ، جزء 42 . ص 82 – 85
عندما يُضطهد الأسود، لا لشيء إلا لأنه أسود ! نتوقع منه أن يجنح إلى نزعة شاذة، وإرهابية؛ ليثبت ذاته. وعندما يُضطهد الفقير، وتـُغلق الأبواب أمامه، ماذا تتوقع منه؟ وعندما تأتي إلى شعوب غنية، وتفرض عليها الفقر لتجعلها تعيش الحصار، فماذا تتوقع ؟ بالتأكيد ستأخذ نمطية ثورة، أو انتفاضة، وهذا غير الإرهاب كما اتفقنا. وقد تولد في بعض دواخلها نزعة شر، وتتعود على القتل، وما شاكل ذلك فتأخذ حينئذ نزعة إرهابية. لاحظ الآن، يُمارَسُ القتل لأجل القتل. نحن الآن في العراق نعاني من بعض نزعات الشر .. حيث يـُخطـَفُ البعض, تـُسمل عيونهم، وتـُقطـّع أعضاؤهم, يـُعتدى عليهم, تـُنتهك براءة الطفولة .. في قضاء (الخالص) طفل عمرهُ أربعة أيام، يضرب بطلقتين في رأسه بدم ٍ بارد . هل هذه مقاومة؟ هل هذا تحرير؟ هل هذه ثورة ؟ هل هذه انتفاضة ؟ أنا لاأعتقد ؛ هذه المصطلحات لها قيمة إنسانية لا تنطبق على الذين يمارسون أعمال الارهاب بهذه الصور البشعة. إذن، الإرهاب : حالة خروج عن الطبع البشري, والإنسان بطبعه لديه حالة إنسانية، وهذه الحالة زرعها الله (تبارك وتعالى) فيه، فهو يتعاطف مع الآخر، ويحب الآخر، لكن حالة الخروج عن هذا الجو، تجعله يجنح بالاتجاه الإرهابي . إن هناك ظروف، وعوامل تعمل على إيجاد الارهاب، وخلقه منها : 1- فكرية 2- سياسية 3- اقتصادية 4- عسكرية 5- احتلال وهنا تأخذ المواجهة نمطية رد مسلح منضبط , ثورة, ام انتفاضة، ام مقاومة، ومرة أخرى، اي إنها تأخذ نمطية شاذة، فتمارس القتل من اجل القتل، حيث يتحول القتل إلى احتراف .. وتكون هناك مافيات تقتل، وتـُبضّع بجسم الإنسان. في موازاة ذلك، قد يعتبر البعض أن الانسياق وراء مصطلحات من انتاج العقل الغربي كمصطلح ( الارهاب ) مثلا، يمثل تبعية معرفية .. وأزاء ذلك أقول : إذا كان من يمارس الإرهاب، هو في حالة تبعية معرفية، فأسأل : هل من يمارس هذا السلوك الذميم هو في حالة استيعاب لنظرية معينة، أو ثقافة معينة ؟ أنا لا أميل إلى أن نطلق عليها (حالة معرفية) أو (تبعية معرفية) بل هي خروج، وجنوح إلى السلوك الشاذ، وحالة (حيونة) وقسوة، فعنما يُبضعُ الانسان، ويُقتل بسبب الظروف التي يعيشها الفرد، والذي تولد لديه نزعة الشر الكامنة في داخله، إذن، هذه الممارسة تسمى سلوكية شاذة، وهي : ان الإنسان يعيش في ظرف يسمح لنفسه أن يقتل، ويحترف القتل، والحجز، وماشاكل ذلك. في المقابل، هناك من يزوق المصطلحات، ويروج لقـُبح المفاهيم، والاعتقادات غير الانسانية؛ فيَعتبرُ الإرهابَ مقاومة، وقتلا مشروعا، أو مهنة، أو حرفة؛ لذا لابد أن ننتهي إلى وضع ضوابط إنسانية، التقت عليها الديانات، والمذاهب الاجتماعية كلها، وبالنتيجة لا يُؤخذ البريء بجريرة المذنب.. قال تعالى : " ولاتزروا وازرة وزرَ أخرى " إذن، لابد أن نتفق على ثوابت اهمها: أن الإنسان له حرمة، والطفولة لها حرمة، والمرأة لها حرمة، والشيخ له حرمة, والشاب له حرمة .. والإنسان الذي لا يـَعتدي على احد، لا ينبغي أن يـُعتدى عليه. بمعنى: إننا اذا لم نتفق، ونصطلح على موضوع، أو مجموعة من الثوابت الانسانية، عندئذ، ستفقد الثقافات قيمتها الإنسانية؛ لذلك رسخ الإسلام مرتكزامعرفيا، حيث جعل الثقافات تدور حوله، وهذا المرتكز في قوله تعالى : " ولقد كرّمنا بني آدم " إن الإنسان مُكرّم أياً كان دينه, وأيا كان مذهبه, وأيا كانت ثقافته..حيث يبقى مُكرَّمًا عند الله (سبحانه وتعالى) والمفروض، والواجب انه (أي : الانسان) يـُحترم . ومع ذلك قد تحدث خلافات، وقد تحدث مشاكل، وقد يحدث صراع مصالح، فـتـنوجد سجالاتٌ فكرية؛ لكن هذه ينبغي أن تكون لخدمة الإنسان فبدلا من أن نتصارع، نـتحاور مع الإنسان الآخر بُغية َإقناعه، وعندما نختلف مع الآخر نحاول أن نـُغيِّرَ رأيه، أو نتغيرَ إلى رأيه إذا كانت حجة الآخر قوية، وإنسانية في آنْ واحد. وما دمنا تعرضنا إلى ذكر الثقافات الانسانية، تجدر الاشارة إلى وجود عقل منتج للمصطلح، وفي المقابل هناك سوق معرفي لتصريف المصطلحات، حيث هناك عدة مصادر ، أو مؤسسات تنتج المصطلح منها : سياسية، وأكاديمية ، ودينية.. وهناك مصطلحات أخرى تولد بسبب حركية المجتمعات وتحولاتها .
ب- المصطلح والحقل الدلالي : أحيانا نلتقي المصطلح في آفاق السوق، والتعامل التجاري، وأحيانا نلتقيه في السياسة، في البرلمان، والحكومة، وأحيانا نلتقيه في القضايا العلمية، وحينا رابعا، نلتقي المصطلح في القضايا الإنسانية العامة. ومادام الأمر كذلك، فإن صـُناع المصطلح في الأفق الأول، يختلفون عنهم في الأفق الثاني، والثالث، والرابع .. وهلم جرا . على سبيل المثال مصطلح (الركود الاقتصادي) و(البطالة) و(البطالةالمغلفة) أو (العملة) , وماشاكل ذلك .. من خلال هذا الأفق الذي تتحرك فيه هذه المصطلحات، نفهم أنه أفق (اقتصادي) وبذلك نكون قد وضعنا يدنا على صناع المصطلح الاقتصادي؛ فنقول عنهم إنهم (اقتصاديون). وعندما نأتي إلى المصطلح في المجال السياسي؛ فصناعه (سياسيون), وعندما نأتي إلى المصطلح الأكاديمي، نجد مصطلحات مثل : (علم النفس) و(الطب) و(الهندسة)، هذه المصطلحات يصنعها أصحاب الاختصاص، وهكذا هو الامر في كل حقل معرفي . وعندما نأتي إلى المصطلح في إطاره (الإسلامي) نرى فيه حساسية خاصة؛ فمرة ًيكون مصطلحا معبرا عن نص؛ فنلتقي هذا المصطلح في القران الكريم، والحديث الشريف، مثل مصطلح (الحد) أو مصطلح (الشرك) أو مصطلح (النفاق) أو مصطلح (دار الإسلام) و(دارالحرب). ومرة أخرى نلتقي مصطلحات اخرى مثل: (متشرعة مسلمين) وبعض المصطلحات نجدها في كتب الفقه، حيث درجت عليها أجواء التعامل مثل مصطلحات: (على الأحوط وجوبا) .. وهناك مصطلحات يوجـِدها العـُرف العام، أو العـُرف الخاص .
ج- الإسقاط : المصطلح، ربما يعني في عـُرف معين شيئا، وقد يعني شيئا آخر في عـُرفٍ آخر، مثلا : (الإسقاط )، فكلمة الإسقاط في علم النفس (projection) هي: انك تـُفسر سلوك الآخرين على ضوء ما تشعر أنت في داخلك, حيث تسقط المعنى الذي في داخلك على الآخر، فيسمى ذلك (بالإسقاط). ومرة اخرى (الإسقاط) في علم النسائية والتوليد (abortion) يعني: أن المرأة تضع حملها في الأشهر الأولى من الحمل، وهذا يسمى أيضا (الإسقاط). اما (الإسقاط) في السياسة يعني: أنك تـَحُط من قيمة شخص معين، وتحاول أن توجه له تهمة، أوتلوث سمعته؛ من أجل إسقاطه؛ لذلك يجب أن نحدد المصطلح، لكي نعي المفهوم.
د- العلمانية والاسلامية :
أحيانا المصطلح في المجال الواحد، قد لا يعني الآن ما كان يعنيه سابقا. مثلا : مصطلح (العلمانية) الآن، يختلف عن العلمانية السابقة في زمان "سامبول" و"ميكافيلي" حيث نجد أن المصطلح في ذلك الوقت كان يعني حسب ما تعبر عنه الموسوعة البريطانية: الإيمان بالدنيوية، ونفي الآخروية من حياة الإنسان. هذا الطرح قد يثير حفيظة المتدين؛ نظرا لمفهوم هذا المصطلح، وما ينوء به من تأريخ مواجهة الدين، من خلال نفي الآخروية من حياة الإنسان. العلمانية الحديثة الآن تختلف، حيث تجد نفسك أمام شخص علماني، لكنه يصلي، ويصوم، وهو يعتقد أن العلمانية بمعناها الجديد، اقرب ما تكون إلى انتهاج السبل العلمية، من خلال التعامل مع الحقائق. وهو ما يعني أن العلماني في المصطلح الحديث، لايجد نفسه في مواجهة مع الدين، وإن لم يكن متدينا. الإسلامية، هي الأخرى تختلف؛ فهي مرة تعني : أن الإنسان (يُؤسلم) حياته، ويطبق الإسلام في مفردات حياته .. في مجال العلاقة الزوجية، وفي العلاقة بينه وبين أبنائه، وكذلك في تعامله في السوق، والتجارة, والسياسة، أي: أنه يحاول ان يطبق مفردات الإسلام في حياته. ومرة أخرى تعني (الإسلامية) إقصاء الآخر، والاختناق بالذات، وعدم قبول الآخر بشكل نهائي، وتحميل ذلك على الإسلام افتراء. الآن الذي يقتل الآخر لا لشيء إلا لأنه خرج على فهم من يدعي الإسلامية، وإعطائها بعدا سلبيا .. هذه الاسلامية هي أقرب ما تكون إلى (الإسلاموية) التي تعني إلغاء الآخر، واستباحة دمه، وقتله. وقد يكون المصطلح في مرحلة تصميمه داخل المدرسة الواحدة، يختلف في مرحلة تطبيقه عمّا هو عليه الآن.
هـ الحرب الباردة : توجد بعض المصطلحات، تختلف وفقا لهذا المنظور . فمثلا : مصطلح (الحرب الباردة) : نشأ في القرن الثالث عشر، أو الرابع عشر في اسبانيا في زمن الأمير (خوان) والحرب الباردة : تعني عدم استخدام القوة الميدانية كالسيف، وما شاكل ذلك، وإنما هي الحرب، التي تستخدم فيها القوة النظرية، والتحرك السياسي . هذا المصطلح (الحرب الباردة) اختفى، ثم ظهر مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية بثوبه الجديد .. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية امتد استخدام هذا المصطلح في الفترة مابين 1945 عقب الحرب العالمية الثانية إلى تفكك الاتحاد السوفيتي (السابق) عام 1991. إن مصطلح (الحرب الباردة) أطلق أيضا على الخلافات بين الصين والاتحاد السوفيتي(السابق)، وأيضا في فرنسا الحديثة استـُخدم مصطلح الحرب الباردة، حيث نجد هذا المصطلح يَدورُ بين مرحلة وأخرى، وهو في تغيــّر مستمر، واستعمال يتكيف مع هذا التغير.
و - الحداثة : وما دمنا قد تعرضنا للتحديث نرى أن مصطلح (الحداثة) كان قد ظهر قبل ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) بمئة وخمسين سنة .. يعني بين القرنين السادس قبل الميلاد إلى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. وكان يعني : حالة العقلنة، في مقابل الاتجاه الحسي، وما ينعكس جراء هذا الفهم على التجارة، والاقتصاد، والسياسة . وقد وضِعَ مصطلح (الحداثة) مقابل (المحافظة) وشيئا فشيئا اقترب من دائرة التداخل، والمواجهة مع الدين، والكنيسة .. ثم اختفى في القرون الوسطى بفعل الكنيسة الكاثوليكية، وعاد مرة أخرى إلى الظهور بمعنى (سيطرة العقلنة). إن مصطلح (الحداثة) يشير إلى مسألة العقل، والحالة المعرفية، والامتداد مع المعرفة، وما ينتج عن ذلك على حساب الحس؛ لذلك من طالب مؤخرا بمرحلة (ما بعد الحداثة) أراد أن يرجع قضية الحس .. أي : يرجع للحس قيمته، من أمثال (لوك) في بريطانيا، و(فولتير) في فرنسا. إن ما بعد الحداثة، هي وقوف أصحاب النزعة العقلية، مقابل أصحاب النزعة الحسية. فقالوا : (لا) تبقى الحداثة سارية المفعول، ونفوا مرحلة ما بعد الحداثة ..
ز- سلة مصطلحات :
مصطلح (الاستعمار) يختلف من مدرسة فكرية لأخرى. فالاستعمار كلمة استخدمها القرآن الكريم في قوله تعالى: "واستعمركم فيها" أي: جعلكم عـُمّاَرها. هذا في الفكر الاسلامي العربي، وفي الفكر الغربي يعني مصطلح (الاستعمار) : هيمنة أجنبية، وابتزاز البلدان، واخذ ثرواتها، ومصادرة أملاكها. إذن يجب أن نكون واضحين, إن للمصطلح استعمالات، وتطبيقات قد تختلف؛ ولذلك يلعب (العرف) دورا كبيرا في تحديد المعنى المصطلحي، مفهوما وتطبيقا. والعـُرف يقصد به: ما يتعارف عليه الناس، وسُميَّ العـُرفُ عـُرفاً لانه يتعارف عليه الناس، ويقرهُ العقل، والشرع . لاحظ كيف اشتغل كل من (جمال عبد الناصر) و(احمد سوكارنو) في خمسينيات القرن الماضي، على مسألة إنشاء (مؤتمر باندونك الآسيو- أفريقي) الذي تطور بعدها، وصار (الحياد) وبعدها صار (الحياد الايجابي) ومن ثم سمي ّ(دول عدم الانحياز). هنا تجد أنهم عندما أطلقوا كلمة (الحياد) أثارت لبسا؛ فماذا قصد بالحياد؟ فإن كان القصد أن لا تكون طرفا في خصومة، بذلك سيكون (الحياد) سلبيا؛ لذلك أضيفت كلمة الحياد (الايجابي) لإنقاذه من السلبية. أن المصطلح في بعض الأحيان يتحرك، ويتطور بمرور الزمن حسب استعمالاته؛ من اجل أن يؤدي، أو يخدم أهدافا معينة. أنظر كيف نشأ مثلا : مصطلح (الشمولية) او (الكولونيالية) او (التوتاليتارية) وأحيانا في أحضان الديمقراطية !! فبعض الأحزاب جاءت بطريقة الانتخابات، وما أن تربعت على عرش السلطة، وأمسكت بيدها كل خيوط اللعبة .. السياسية، الاقتصادية, الإعلامية, القضاء, المالية .. ماذا حدث فيما بعد؟ لقد حدث عدم تكافؤ في الفرص.. وهنا نشأت التوتاليتارية، وهذه الحالة تخلف أمراضا هدامة لهرمية المجتمعات. من هنا، نجد بعض الأحيان، أن المصطلح يعاني من اشتقاقات، وتكيفات معينة حسب الزمن، والاحداث، فمن الديمقراطية، إلى الديمقراطية الموجهة، الى الديمقراطية التوافقية .. وهذه هي سنة الحضارة، أي أن المصطلح يتعرض الى اشتقاق وتنوع، في ظل ديناميكية لاتعرف التوقف.
| |
|