تيار الاصلاح الوطني مؤسس المنتدى
عدد المساهمات : 149 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 16 الموقع : http://www.eslahiraq.net
| موضوع: دور المثقف في منظومة المرجعية الخميس 19 نوفمبر - 16:30 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
دور المثقف في منظومة المرجعية "إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا"
المدخل العلاقة بين المرجعية الدينية والأمة هي علاقة تعاط مستمر في كل ما يتعلّق بحاجاتها، على مستوى المفاهيم الدينية المرتبطة بالحياة؛ أو على مستوى تحديد المواقف العملية في مجالات العبادات، والمعاملات، على الصعد الاجتماعية المختلفة؛ انطلاقا من قاعدة " لاتخلو واقعة الا ولله فيها حكم"؛ ما يجعل المرجع الديني مسؤولاً عن تحديد الموقف العملي للمكلف إزاء كل قضية يواجهها؛ بينما يجد المكلف في المقابل نفسه مسؤولاً عن تطبيق ذلك الموقف طبقا لاحكام الشريعة؛ وكلما تعمّق الالتزام لدى المكلفين وزاد وعيهم، كلما تأكّد اعتمادهم على المرجعية الدينية. ربما تقلّصت دائرة التعاطي بين مراجع المسلمين وأبناء الامة بناء على عزوف الامة عن الرجوع لهم تارة، وعدم تصدّي بعض المراجع في تلك المجالات تارة أخرى، لسبب أو لآخر؛ غير أنّ ضيق دوائر التعاطي واتساعها بين المرجعية والامة، لم يلغ وفي أي مرحلة من مراحل تصدي المرجعية حقيقة التعاطي هذه. سرّ التعاطي هذا هو الشعور بالمسؤولية الشرعية أمام الله تعالى من قبل كلّ من الطرفين؛ المرجع فيما يقع عليه من تكليف في الافتاء لغرض "تحديد الموقف" من جانب؛ والمسلم المكلف في الاستفتاء من أجل "إخضاع سلوكه وكل ما يرتبط بحياته لاحكام الشريعة" من الجانب الآخر. وعلاقة الافتاء والاستفتاء هذه تتطور بناء على تطور آليات التعاطي، مثلما تتطور الآليات هي الاخرى بناء على شدة العلاقة وعمقها، وهذه العلاقة الجدلية في التعاطي بين المرجعية والامة كانت سمة بارزة في تاريخ المرجعية؛ والرسائل العملية للفقهاء مثلاً لم تكن متعارفة في مرحلة ما : "أخذ الناس يبعثون بأسئلتهم إلى المجتهدين الذين يقومون بالاجابة عليها. وصدرت كتب مثل (جواهر الفقه) للقاضي ابن البراج، و(أجوبة المسائل النيسابورية) للشيخ المفيد، و(المسائل التي وجهها الشيخ ابو جعفر الطوسي) للشيخ المفيد، و(وأجوبة المسائل الطرابلسية) و(أجوبة المسائل الموصلية) للسيد المرتضى وغيرها. كما ألفت كتب خاصة بالفتوى فقط، مثل (جمل العلم والعمل) و(النهاية) للشيخ الطوسي، و(السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي) لابن أدريس، و(تبصرة المتعلمين) للعلامة الحلي وغيرها.... هذه الاساليب المتنوعة لبيان الاحكام الشرعية ظلت متداولة منذ القرن الرابع الهجري وحتى العقد العاشر. وقد نتجت عنها آثار قيمة ما زال تعد سراجا ينير طريق الفقهاء المسلمين. بعد هذه الحقبة ظهر نمط جديد في ساحة بيان الاحكام الشرعية يتناسب وظروف العصر. فقد بدأ مراجع التقليد بإصدار رسائل عملية (كتب تحوي الفتاوى والاحكام الشرعية)، تضم كل المسائل والاحكام التي تلبي شؤون العصر ومتطلباته.... وكانت النتيجة أن شاع اعتماد المكلفين على هذه الرسائل بسبب سلاسة اسلوبها وشمولية أحكامها واحتوائها على المسائل الجديدة المنبثقة من تطورات العصر. وقد كانت أول رسالة صدرت في هذا السياق كتاب (جامع عباسي) وهي الرسالة العملية للشيخ البهائي. وبعدها توالى صدور الرسائل بفوارق طفيفة فيما بينها في الاسلوب وغيره." ومن الواضح أن هناك عوامل اسهمت في تطوير هذه الآلية منها ما يرتبط بظروف المكلف الاجتماعية والشخصية بما هو متلقٍ، ومنها ما يرتبط بالمرجع من ناحية الامكانات المتوفرة لديه بما هو معطٍ. ومهما تكن طبيعة الظروف التي تحيط بالامة والمرجعية الدينية فان الدور المنوط بها على مستوى توعية أبناء الامة وترشيد مسيرتهم يبقى سمة متميزة وثابتة، ومسؤولية تتطلب أقصى درجات الوعي في مواكبة التطورات الحاصلة في الحياة على هدي الشريعة الاسلامية المقدسة، سواء على مستوى وعي الموضوعات أو على مستوى وسائل الاتصال أم على مستوى المناهج الدراسية أو على مستوى تحقيق الحضور الميداني لها في حياة المكلفين.
يتناول البحث الاسئلة التالية: ◊ ما هي المرجعية الشيعية؟ ◊ من هو المثقف الاسلامي وما هي الثقافة؟ ◊ ما هي خصوصيات المثقف ومسؤولياته؟ ◊ ما هي الحقول المعرفية والاختصاصات الاكاديمية ذات العلاقة بالمرجعية؟ ◊ ما هي الاوساط العملية التي تتحرك فيها المرجعية؟ ◊ ماذا عن بعض مواقف المرجعية؟ ◊ ما هي طبيعة العلاقة بين المرجعية والمثقف، وكيف ينبغي ان تكون؟
ما هي المرجعية؟ من المناسب ان نحدد معنى المرجعية من حيث اللغة ومن حيث الاصطلاح. ◘ في اللغة:"رَجَعَ يَرْجِعُ رَجْعاً ورُجُوعاً ورُجْعَى ورُجْعاناً ومَرْجِعاً ومَرْجِعَةً: انصرف. وفي التنزيل: إنّ إلى ربك الرُّجعى، أي الرُجُوعَ والمَرجِعَ، مصدر على فُعلى؛ وفيه: إلى الله مَرْجِعُكُم جميعا، أي رُجُوعُكُم....وقوله عزّ وجل: قال رب ارجعوني لعلّي أعمل صالحاً؛ يعني العبد إذا بعث يوم القيامة وأبصر وعرف ما كان ينكره في الدنيا يقول لربه: ارجعونِ أي ردّوني إلى الدنيا" ما يفيد ان المرجعية باللغة الجهة التي يرجع اليها ويُرَدُّ لها في موارد معينة متعلقة باختصاصها. ◘ في الاصطلاح: لم يرد مصطلح المرجعية في آية قرانية كريمة أو في حديث شريف وعليه فهو ليس مصطلحا اسلاميا بالقدر المعبر عن مؤسسة تقليد؛ وإنما هو مصطلح تعارف عليه المسلمون؛ فهو إذن مصطلح متشرعة أو مصطلح مسلمين وليس مصطلحاً شرعياً؛ "ويعرف (المصطلح الشرعي) بورود اللفظ في معناه في القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف، وبدون ذلك لا يوجد المصطلح الشرعي." ؛ "مصطلح تقليد ومصطلح مرجعية. هذان المصطلحان وما يرادفهما ويناسبهما غير موجودين في أي نص شرعي، وإنما هما مستحدثان، وليس لهما أساس من حيث كونهمااتعبيرين يدلان على مؤسسة ومرجعية" . وقد أختلف العلماء والمراجع في تحديد مفهوم المرجعية الشيعية؛ فمنهم من اعتبرها – من موقع التعامل – انها مقصورة على الجانب الفقهي بالمعنى الاخص، وابتعد في تصديّه عن المجالات السياسية والاجتماعية؛ ومنهم من لم يجد اقامة الحكومة الاسلامية من مسؤوليته؛ ومنهم من قال بولاية الفقيه قبال من لم يقل بها؛ ومن قالوا بالولاية للفقيه اختلفوا في دائرة الولاية فمنهم من وسّع كالامام الخميني (رض): " فللفقيه العادل جميع ما للرسول والائمة (ع) مما يرجع الى الحكومة والسياسة" ومنهم من ضيّق كالسيد الخوئي (رض) "سؤال 6: هل ترى سماحتكم ولاية الفقيه المطلقة أم لا ؟ الخوئي: في ثبوت الولاية المطلقة للفقيه الجامع للشرائط خلاف ومعظم فقهاء الامامية يقولون بعدم ثبوتها وانما ثبتت في الامور الحسبية فقط والله العالم" . ومنهم من قسّمها على أساس دائرة التصدي فقال بان المرجعية الشرعية غير المرجعية الدينية وهما غير المرجعية السياسية، فالمرجعية الشرعية عنده تتولى تحديد الحكم الشرعي، أما المرجع الديني فهو من يذهب أبعد من ذلك ليحدد مفاهيم الدين مما يستدعيه معرفة بالدين أشمل وأعمق من المرجع في الشريعة, وأما المرجع السياسي فهو الذي يتولى مشروعا سياسياً وهذا –من وجهة نظره- هو الذي يتحرك على أساس أنه مشروع قيادة، ومرجع القيادة تجاوز مستوى توضيح الاحكام وتوضيح المفاهيم الى سلوك السبيل العملي في المجتمع فتترتب عليه استحقاقات عملية تصل الى حد التضحية بالنفس؛ هذا هو مبنى الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رض): "المرجع في الدين أمر أكبر وأجل من أن يكون مرجعا في الشريعة. المرجع في الشريعة مجتهد جامع للشرائط، وهذا يكفي.أما المرجع في الدين فقد تجاوز الحكم الشرعي الى المفهوم الشرعي، معرفة المفاهيم. والمرجعية في المفاهيم تحتاج الى مستوى من الاحاطة والعمق والشمولية، تتجاوز كفاءات الفقيه....نحتاج ان نبحث أكثر عن نماذج للمرجعية في الدين، فيما يتعلق ببلورة المفاهيم، وليس الاحكام، وفيما وراء ذلك، وهو ما يسمى قيادة. يعني تجاوز بيان الحكم الشرعي، وتجاوز بيان المفهوم في الدين الى انتهاج خط السير والسلك العملي في المجتمع. أبرز الفقهاء القدماء ....فيما يمكن ان يطلق عليه أنه مرجع في الدين، أو يشكل مشروع قيادة، هو الفقيه الشهير محمد بن مكي الجزيني المعروف بالشهيد الاول...وضع في ذهنه مشروعا سياسيا، فلسفه أو شرعنه من الناحية المفهومية، وجرى عليه ولعله من أجل ذلك استشهد (رض)." أما السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) فقد أرّخ للمرجعية بمراحلها الاربع، وكيف تطورت مع الزمن بناء على تطور الظروف التي أحاطت بها، وكيف بدأت مرجعية فردية لتنتهي الى مرجعية القيادة؛ كما صبّ اهتمامه على إطروحة المرجعية الصالحة محدداً أهدافها الخمسة الاساسية وموضحا، هيكلها التنظيمي الذي يسهّل مهامها في تحقيق الاهداف. فمن حيث المراحل التاريخية: "هذه الحوزة لها تاريخها الطويل الذي مرّ بعدة مراحل: 1- مرحلة الاتصال الفردي...2- مرحلة الجهاز المرجعي وأظن –بحسب ما أفهم من سير الاحداث- انه دخلها على يد الشهيد الاول (رض)..3- مرحلة التمركز والاستقطاب.. على يد الشيخ كاشف الغطاء ..ومعاصريه من العلماء، مرت على هذه المرجعية فترة طويلة من الزمن في عهد الحكم العثماني قبل عصر الاستعمار... 4- مرحلة القيادة بدأ -هذا الكيان- يتسلم زمام القيادة..بدأ يدخل الصراع مع الكافر المستعمر ويتبنى مصالح المسلمين ويدافع عنهم." . ومن حيث الاطروحة للمرجعية الصالحة: "إن أهم ما يميز المرجعية الصالحة تبنيها للاهداف الحقيقية التي يجب ان تسير المرجعية في سبيل تحقيقها لخدمة الاسلام، وإمتلاكها صورة واضحة محددة لهذه الاهداف، فهي: مرجعية هادفة بوضوح ووعي وتتصرف دائما على أساس تلك الاهداف بدلا من أن تمارس تصرفات عشوائية وبروح تجزيئية وبدافع من ضغط الحاجات الجزئية المتجددة؛.. ويمكن تلخيص الاهداف: 1- نشر أحكام الاسلام...2- إيجاد تيّار فكري واسع في الامة...3- إشباع الحاجات الفكرية للعمل الاسلامي...4- القيمومة على العمل الاسلامي ...5- اعطاء مراكز العالمية من المراجع.." لم نقصد من السرد المتقدم لامثلة الاختلاف في وجهة نظر المراجع المناقشة فيها؛ ولا الترجيح لأي منها على الاخر، ولا تحديد نقاط الخلاف والاتفاق بينها؛ بل تثبيت حقيقة وهي: ان القدر المتيقن من الاهتمام المرجعي هو شؤون الامة وممارسة دور الرعاية لها من موقع المرجعية بأي دائرة من الدوائر؛ ولان ذلك يترتب عليه دور مهم وخطير للمثقف في عالم المرجعية الدينية؛ فلا المثقف الاسلامي بمقدوره ان يضطلع به من دون المرجعية؛ ولا المرجعية تستغني عنه في إيصال صوتها للامة.
النظرة الى منظومة المرجعية 1- ان المرجعية الدينية هي جهة التصدي في مجال الافتاء وتحديد التكاليف الشرعية وترشيد مسيرة الامة بكل مكوناتها لكل ما يقرّبها من الله (عز وجل) ويسهم في بناء حياتها على أساس الاحكام الشرعية؛ "..... فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون" 2- انها الكليّ المرجعي -المرجعية- الذي ينطبق على كل المراجع، على اختلاف وجهات نظرهم، ليتحقق مفهوم التكامل المرجعي وتجنب التنافر المرجعي، الذي يؤدي الى حالة من الاستهلاك؛ مما ينعكس سلبا على المتعلقين بكل مرجع على حساب المرجعية؛ وهو ما يضعف الامة الاسلامية ويضر بمصلحة الاسلام. 3- انها الامتداد الطبيعي للمرجعيات السابقة؛ بكل ما فيها من تراث فكري، وأعماق استدلالية، في الفقه والكلام والتفسير والاخلاق والحكمة من الناحية المنهجية؛ والتصدي الاجتماعي والسياسي من الناحية الميدانية. 4- الانتشار الافقي الذي يتسع الى حيث تتسع الامة، في كل بلد من بلدان العالم؛ ولا اقصد بذلك ان تكون المبادرة من الامة والاستجابة من المرجعية، وانما المبادرة بالاصل من المرجعية والاستجابة من الامة؛ فتكون المرجعية في موقع المبادر حين تتحسس مشاكل الناس, والمبادر في التعرف على آخر التحديات الفكرية والسلوكية, والمبادر في التعرف على التطورات المعاصرة للتجاوب معها على ضوء ما تستحق؛ والمبادر في تشخيص اولويات كل ساحة بما يناسبها من اهتمام، والمبادر في تحديد حاجات المعوزين، والمبادر في تنمية قابليات أبناء الامة وتوفير مستلزمات التطور والأبداع في الحقول الحياتية المختلفة. 5- أن تكون واضحة الاهداف والمنهج لدى الجهاز المرجعي، ولدى حلقات الاتصال بها؛ وهي وان اختلفت في حجم الاهداف من حيث الاتساع والضيق، أو في المنهجية المتبعة من قبلها، في كل مساحة من مساحات التصدي, أو من حيث أصل التصدي، في بعض الحقول السياسية أو الاجتماعية؛ لكن ذلك لم ولن يحول دون تكامل الاهداف، من خلال تحرك مجموع المراجع، وان ما اشار له السيد الشهيد محمد باقر الصدر في المرجعية الصالحة من أهداف، يمثل محورا مشتركا ومهماً في عملها وهي (1- نشر أحكام الاسلام...2- إيجاد تيّار فكري واسع في الامة...3- إشباع الحاجات الفكرية للعمل الاسلامي...4- القيمومة على العمل الاسلامي ...5اعطاء مراكز العالمية من المراجع..") نقول ذلك لان دور المثقفين سينطلق والى حد كبير من خلال الهدف المشترك الذي تتصدى المرجعية لتحقيقه، وهو ما يميّز منظومة المرجعية عن غيرها من المرجعيات، في أخذها بنظر الاعتبار؛ كما ان المثقف الاسلامي بدوره ينطلق من ذات الهدف المشترك، وهو ما يجعل مهماته امتدادا لمهمات المرجعية، و ويكون -بذاته- ذراعا من أذرع الانجاز.
من هو المثقف وماهي الثقافة؟ كثيرا ما يطرح المثقف مقابل طالب الحوزة، والثقافة مقابل دروس الحوزة من جانب! كما يطرح المثقف مقابل الملتزم من الجانب الثاني! وهذا خطأ كبير في الجانبين معاً؛ وهو ما يستدعي ان نعرف من هو المثقف الاسلامي؟ وما هي الثقافة الاسلامية؟ لندرك طبيعة العلاقة بين المرجعية الدينية والمثقف الاسلامي. ◘ "ثَقُفَ الرجل ثقافةً: أي صار حاذقاً خفيفاً... ومنه المثاقفة؛ وهو غلام لقون ثَقِفْ أي ذو فطنة وذكاء، والمراد انه ثابت المعرفة بما يحتاج اليه. والثقّاف: حديدة تكون مع القوّاس يقوّم بها الشيء المِعْوَج ...الثّقاف خشبة تسوّى بها الرماح" "ثقف: الثُّقْفُ الحِذقُ في إدراك الشيء وفعله ومنه أستعير المثاقفة، ورمحٌ مثقفٌ أي مقوَّم...، ويقال ثقفت كذا اذا أدركته ببصرك بحذق في النظر ثم يتجوز به فيستعمل في الادراك وإن لم تكن معه ثقافة قال تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)" "وأصل مادة (ثقف) تدل على الحذق في إدراك الشيء وفعله، أي سريع التعلم، ثم استعملت في مطلق إدراك الشيء. وفي حديث الهجرة عن الرسول (ص): غلام شاب لقن ثقف أي: ذو فطنة وذكاء، ثابت المعرفة." و"يقال ثقف ويثقف وثقفاً ورجلٌ ثقفٌ لقفٌ: إذا كان مُحكِماً لما يتناوله من الامور." مما طرح يستفاد من الثقافة والمثقف انها الفهم والحذق والمعرفة والتقويم؛ والمثاقفة تبادل الفهم والتقويم؛ فكأنّ المثقف الذي يعني فيما يعنيه تقويم السهم لغرض الاصابة، استعير -مجازاً- لايصال الفكرة مع الاصابة الى عقل الاخر؛ والمثاقفة هو تبادل الاصابة بالفكر فيما يعطي ويأخذ مع من يحاور؛ ومنه نستوحي العلاقة بين الثقافة والسلوك وانها ليست مجرد علم " فالمفهوم الصحيح لمعنى (الثقافة): انها نظرية سلوك أكثر منها نظرية معرفة. اذ انها تهيىء الانسان للحياة الحضارية المتمناة، وتعينه على التطور الاجتماعي المطلوب" ◘ في احدى تعريفاتها الثقافة "هي الارث الاجتماعي ومحصلة النشاط المعنوي للمجتمع. ويتكون الشق المعنوي من حصيلة النتاج الذهني والروحي والفكري والفني والادبي والقيمي، ويتجسد في الرموز والافكار والمفاهيم والنظم وسلّم القيم والحس الجمالي الخ. والشق الثاني يتكون من مجمل النتاج الاقتصادي والتقني.." ◘ أما الثقافة الاسلامية فقد عرّفت: "أنها المفاهيم الصحيحة عن الله والكون والانسان والحياة ...عن الله كخالق وشارع للاحكام والحدود والاخلاق ، وعن الكون كمسخر للانتفاع الانساني، وعن الانسان كمستخلف في الارض لاستعمار الكون، ومسؤول عن تصرفاته الحسنة والسيئة، وعن الحياة كمجال للعمل الانساني على أسس اسلامية..." وأيّاً يكن تعريف الثقافة الاسلامية فمن غير الممكن التفكيك بين العقيدة كقاعدة فكرية من جانب وأحكام الشريعة، وباقي مفردات الثقافة الاسلامية من الجانب الاخر؛ وإمعان النظر بهذا الترابط العضوي بين أجزاء الثقافة الاسلامية من ناحية وبناء شخصية المثقف الاسلامي من الناحية الاخرى يكشف النقاب ما للعلاقة الوطيدة بين علوم الحوزة العلمية والثقافة الاسلامية على مستوى التنظير والتطبيق؛ وهو ما يجعل المثقف الاسلامي وهو من تزود بالفكر الاسلامي الاصيل، والمأخوذ من مصادره الاساسية، والمتوافر في الحوزة العلمية كمنهج عبر الآليات المتعارفة فيها، أو المستجدة والتي وفرت اطلالة واسعة لانتشار الفكر الاسلامي والثقافة الحوزية، لما يتجاوز جغرافية المقرّات الحوزوية المعروفة ليشمل جغرافية التعاطي العلمي الممتد الى حيث يمتد طلاب العلم؛ وعليه فقد اصبح المثقف الاسلامي والذي يتوفر على المادة العلمية أعم من المرتبطين في حلقات الدرس المباشرة؛ وبذلك اصبح من الضروري التمييز بين من يحضر الدرس في علوم النحو والمنطق والاصول والفقه، وبين من يتقن الدرس في الاداء النحوي والتفكير الانساني السليم والتطبيق الفقهي في السلوك؛ وحتى حضور الدرس فهو لم يعد محصوراً في الحيّز المكاني، في بلد ما أو حوزة معينة، بل يتعدّاه الى فضاء التلقي العلمي.
خصوصيات المثقف الاسلامي ومسؤولياته: لا بد من التأكيد على حقيقة وهي ان الخصوصيات والمسؤوليات المرتبطة بالمثقف الاسلامي، لا تخرج عن طبيعة ما تتحلى به المرجعية كجهاز من صفات أو تتحمل من مسؤوليات؛ مستقاة من طبيعة العلوم المعتمدة والاهداف الاسلامية المزمع تحقيقها، والتربية الايمانية المفترض التحلي بها. المثقف الاسلامي لا بد من أن يتوافر على الصفات التالية: 1- التمتع بثقافة اسلامية(علماً ومعرفة) ترتقي به الى مستوى الاصالة من حيث العمق والشمول بما يتزود به من المفاهيم والاحكام الاسلامية لكل ما يمت الى المجالات التي يتواجد فيها بصلة على الصعيد الشخصي والاسري والصعد الاجتماعية المختلفة. 2- بناء الشخصية بناءً إيمانياً يرقى به الى مستوى التمسك بالاحكام الالزامية على أقل التقادير؛ ومراعاة الاحكام الترخيصية جهد الامكان. 3- معرفة الموضوعات التي يبتلى بالتعامل معها خصوصا حين يكون في وسط تكثر فيها الشبهات وتشتد التحديات. 4- المواصلة في التزود من منابع الثقافة الاسلامية لكل ما يستجد عنده من حاجة. 5- وعي المخاطر التي تحيط به على المستوى الفكري او السلوكي لغرض التموّل بالفكر والروحية التي تؤهّله الثبات والاستمرار على جادّة الاستقامة. 6- مواصلة أداء دوره التبليغي والتثقيفي على مستوى النظرية والتطبيق في اي وسط يتواجد فيه. 7- وعي المشتركات مع الاخرين(المثقف غير المسلم والمسلم غير المثقف) لغرض التاثير فيهم ما دامت تمثل الكلمة السواء معهم؛ وهي تصلح ان تكون البداية التي يخاطبهم من خلالها. 8- معرفة ما يدور عند الاخر من ثقافة واستفهامات وشبهات واتهامات لتوفير ما تستحق من مادة فكرية؛ تصلح أن تكون ردّاً كافياً للتأثير بالاخر أو الثبات أمام تحدياته. 9- التعاطي مع العصر الذي يعيشه والظرف الذي يحيط به بعقلية المواكبة التي تجمع بين الاصالة المبدئية والانفتاح الملتزم.
مراتب المثقفين مثلما يتفاوت المهتمون في أي مجال من المجالات الحياتية كذلك يتفاوتون في المجالات الثقافية والمعرفية: 1- فهناك المثقف المبدع والمولّد للافكار والذي يمتلك باعا طويلا من الاحاطة بالعلوم ذات العلاقة بالفكر الانساني والاسلامي، وله ممارسة كافية لهذه الملكة في مجال التعاطي الثقافي من حيث التنظير، وله ملكة التطبيق فيما يعتقد حتى تخرج ثقافته من الحيّز النظري الى الحيّز التطبيقي. 2- هناك المثقف المميز الذي يتمتع بسعة استيعابية للثقافة الاسلامية، وفي مختلف الابواب مع مستوى ممتاز ايضا من الالتزام،من دون ان تكون له القدرة على التنظير. 3- هناك المثقف الجيد الذي له من الاستيعاب الكافي للثقافة الاسلامية والالمام الاجمالي بكل ما يتعلق بمهمته الثقافية، مع الالتزام بالخطوط العامة فيما يدعو إليه. 4- هناك المثقف العام الذي يتحلى بدرجة محدودة من استيعاب الثقافة الاسلامية مع درجة محدودة من الالتزام، وهو لا يخرج بها عن الصورة العامة للشخصية الاسلامية. 5- هناك المثقف المحترف الذي يجيد فن الفهم ويحسن فن الاداء من دون أن تكون له حصة من الالتزام؛اذ ان الثقافة بالمعنى النظري منها بما هي شق العلم المجرد لا تعني الالتزام من الناحية السلوكية؛ "ياأيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون*" الحقول المعرفية والاختصاصات الاكاديمية ذات العلاقة بالمرجعية 1- حقل الفكر والمعرفة وما يشهد من تطورات تستدعي المواكبة، وما يثار في هذا الحقل من اشكالات وشبهات، تتطلب الرد، خصوصا وان عالم الانترنيت اختزل المسافات الى حد كبير بحيث يتسنى للمتابع المهتم بالشأن الثقافي ان يقف على اية فكرة، مهما كانت بعيدة عن تراثه او مجتمعه، وينفتح عليها؛ من هنا بدأت اليوم ظواهر الغزو الفكري من جانب، والتشكيك بالفكر الاسلامي من الجانب الاخر، تقتحم كل البيوت والنوادي الفكرية مهما كانت بعيدة او مصانة؛ ولم تعد بحوث الكلام ومفاهيم السياسة ونظريات السلوك ومسائل الفقه حكراً على الاوساط العلمية المتعارفة، كالحوزات العلمية والمعاهد الاكاديمية والاندية الثقافية، كما لم يعد المنفتح على أيّ منها بمستوى التفريق والوعي الكافيين لما ينتابها من ملابسات؛ وفي مجال التحديات المستجدة يطرح اليوم مجموعة كبيرة من المسائل والادّعاءات و والاشكالات في المجال المعرفي والحياتي: أ- العولمة وما تنطوي عليه من أهداف خفية وما صحبها من خطوات عملية جعلت العالم على أعتاب مرحلة جديدة يتنعم ما يسمى بعالم الشمال والبالغ بنسبته السكانية (20%)، ينتعم بغالبية الخيرات التي تقدّر بنسبة (80%)؛ فيما ترزح الغالبية السكانية (80%) تحت طائلة الفقر والجوع والمرض، والتخلف. ب- حقوق الانسان وما شكّل من عنوان للافتة عريضة يمارس في ظلها شتى أنواع الممارسات التي تصل الى حدّ تغيير الانظمة السياسية والتهديد بجرّ الكثير الى سدّة القضاء الدولي تحت عنوان انتهاكات حقوق الانسان. ج- الارهاب الدولي وما صحبته من خطوات تنفيذية على مستوى استباحة البلدان والتحكم بحريتها وفرض الحصار الاقتصادي عليها واستخدام أراضيها والتهديد بضربها. د- الديمقراطية وما اكتسحت من مساحات شاسعة في عالم السياسة وما تركت من ردود فعل متفاوتة من المطالبة بتطبيقها نظاما أو آليّات أو اتخذ غيابها تفسيرا للكثير من الظلم الذي أصاب بلدان العالم. 2- حقل المستجدات في الموضوعات مما يقتضي المواكبة لتغيير الحكم تبعا لتغيّر الموضوع؛ من هنا أصبحت مسائل التعاملات المصرفية والعقود التجارية والمكاسب المعاصرة والقتل الرحيم والاستنساخ وهندسة الجينات والاستحالة واطفال الانابيب وغيرها من المستجدات، تحتاج الى مواكبة استدلالية حتى يكون المكلف في مأمن من الانفصال بين الحكم والموضوع؛ وهو ما يفتح بالضرورة أبوابا واسعة من الحقول التخصصية المختلفة التي لا يمكن النفوذ إليها إلا من خلال المختصين الموثقين؛ ما يجعل المواكبة الفقهية رهينة العلاقة الوطيدة والتماس المباشر مع أصحاب الاختصاص. 3- حقل الاعلام والاعلام المضاد لمتابعة ما يطرح من فكر وحقائق تخدم الاسلام وتثري الثقافة الاسلامية، وما يثار من شبهات وهجوم ضد الاسلام والمسلمين لمواكبة ذلك؛ فالكثير من الحقائق العلمية تعزز من المقولات الاسلامية على قدمها وهو مرتبط بحياة المجتمعات المتمدنة كنبذ التمييز العنصري واحترام حقوق الانسان وتحريم الاجهاض ومفاسد الخمر والزنا الخ؛ وما يثار ظلما من اتهامات من قبل الاعلام المضاد من أمثال لصق الارهاب بالاسلام والمسلمين ومؤسساتهم الدينية!، وفصل الدين الاسلامي عن السياسة بل عن الحياة!، وظلم الاسلام للمرأة! وقسوة الاسلام في احكام الردة!.. الخ كل ذلك يحتاج الى ردّ مسؤول وواعٍ وسريع وملموس لدى ابناء المسلمين؛ ومع دخول الاعلام عالم الانترنت وما يوفر من فرصة خصبة للتعرف على أفكار الاخرين وما يحملون من تصورات عن الاسلام والمسلمين ما يستدعي إعادة النظر في الفكر المطلوب طرحه للعالم وترتيب الاولوية للموضوعات ذات الاهتمام الاكثر؛ واعتماد البرامج المتطورة لبث الفكر الاسلامي وتعميق العلاقة مع المسلمين والانسانية جمعاء. 4- حقل الاسرة والاوساط الاجتماعية التي تفرض مناخات تربوية بنّاءة تارة، أو تقليدية تارة ثانية، او مضادة تارة ثالثة، مما جعلها تسهم والى حد كبير في التاثير سلباً أو إيجاباً على مسار التعامل الفردي والاسري والاجتماعي؛ وهو ما انعكس على شكل توتر وانحرافات في المكون الاجتماعي لابناء المسلمين بحيث أخذ منحنى الطلاق وسوء العلاقة بين ابناء الاسرة الواحدة شكلا حادا من زاوية، وكذا على مستوى تفشي الكثير من الانحرافات والبدع في الاجتماع الاسلامي؛ فيما تشهد أوساط اخرى تصاعدا ملحوظا في الالتزام وتعميق الوشائج، أو تعميق الوعي وإحياء الشعائر الاسلامية من الزاوية الاخرى. 5- الحقل السياسي وما يفرز من تعاطٍ على مستوى الاداء والتعامل على صعيدي المعارضة والحكم؛ في عصر يشهد فيه العالم تحولات حادة وإرهاصات متسارعة على اكثر من صعيد، في الوقت الذي تتنامى فيه الحالة الاسلامية لترتسم على شكل دولة وثورة وصحوة وعودة إلى الاسلام، وهو ما يجعل الاسلامي بأمس الحاجة الى الفقه السياسي الذي يمده بالقوة، ويجنبه المنزلقات، ويجعله يمارس دوره بأداء سليم مهما كانت التحديات المعادية. 6- حقل القضاء الدولي والاطلالة على المنظمات الدولية في كل ما يتعلق بحقوق الدول؛ وما في حوزتها من قوانين وتعليمات خصوصاً وان الكثير من مقرراتها أخذت طريقها الى التطبيق بشكل قسري من حيث ان الجهة التي تقرر وتنفذ تمتلك ناصية التحكم في العالم وتفرض إرادتها كما تشاء؛ ما جعل العالم اليوم يعيش عصر التحولات النوعية والانهيارات الهائلة تحت طائلة حضارة الآلة والجنون الآلي؛ فانتهكت أراضي الدول وسماؤها وتهددت مياهها وخيراتها بذرائع مختلفة. 7- حقل العلوم الاكاديمية ذات الطابع الانساني مثل علم النفس بمختلف فروعه (علم النفس السياسي \ علم النفس الجنائي \علم نفس الطفل الخ)، علم الاجتماع، وعلم التربية، والقانون الخ؛ ان التزود بهذه العلوم أصبح حقيقة، فرضتها موضوعات هذه العلوم المرتبطة مباشرة بحياة الناس من جانب، وتخريج رعيل من المختصّين فيها لحمل لوائها من زاوية أكاديمية محضة أو موجهة لاسباب سياسية من الجانب الثاني؛ وارتباط موضوعاتها بأحكام الشريعة الاسلامية من الجانب الثالث؛ما يستدعي النهوض بأسلمة هذه العلوم وتسخيرها لخدمة الانسانية؛ وهو يستلزم لإعتماد بعضها في المنهج المقرر في الحوزة، وتبني المختصيّن في هذه الحقول لغرض إثراء المتبنيات الاسلامية على مستوى الفكر والممارسة. كل هذه الحقول بالاضافة الى غيرها مما لا يتسع البحث لطرحها تنتظر التغطية؛ على مستوى الفعل والمبادرة كما في نظرة الاسلام لحقوق الانسان ونظرته للبيئة والحيوان والموارد الطبيعية عموما والانهار مثلا من حيث بلد المنبع أو بلد الاجتياز، أو على مستوى رد الفعل والاستجابة، للوقوف أمام الاثارات الفكرية والعلمية والسياسية كالعولمة والنظام العالمي الجديد وحقوق المرأة في الاسلام والارهاب ...الخ. كما أنّ الامة الاسلامية بسعة وجودها وتعدد بلدانها وتنوع اتجاهاتها الكلامية ومذاهبها الفقهية هي الاخرى بأمس الحاجة الى جهود علمية مكثفة تقرأ واقعها وتستشرف مستقبلها وتنظّر لتحقيق كل ما من شانه الاخذ بيدها الى ما فيه الصلاح؛ واذا كان السلف الصالح من الفقهاء قد بذلوا جهودا حثيثة من أجل الوصول الى ما يحفظ لها عزّتها ويصون كرامتها ويعيد لها حياة كريمة تتناسب وما حباها الله من نعم معنوية وماديّة فإنّ المعوّل على مراجعنا المعاصرين أن يواصلوا ذات الطريق ويرتقوا بالامة الى ما يرضي الله عز وجل ويصلح أمرها.
الاوساط العملية التي تتحرك فيها المرجعية تتحرك المرجعية في المجالات التي تشملها الاحكام الشرعية ما يعني أنها لا تستثني وسطاً من الاوساط دون أن يدخل في دائرة اهتمامها سواء على مستوى الالزام أم الترخيص: 1- المجال الفردي : في كل ما يتعلق في الشؤون الفردية من العبادات كالصوم والصلاة أو المعاملات كالمكاسب....الخ. 2- مجال العلاقة الزوجية: في بيان حق النفقة للزوجة على الزوج، أو بيان حق الطاعة للزوج على الزوجة ...الخ. 3- مجال العلاقة بين الوالدين مع الاولاد في الاسرة: من حق اختيار الاسم الى حق التربية من حقوق الاولاد على الوالدين؛ ووجوب احسان الولد لوالديه والنفقة عليهما...الخ. 4- مجال التعامل الاجتماعي العام: أحكام التعامل مع الارحام والجار ...الخ. 5- مجال التقاضي وفض النزاع: كالخصومة في العلاقة الزوجية أو في الشركة والمضاربة..الخ. 6- مجال المكاسب: لتحديد المحرم منها والمباح كبيع الاعيان النجسة أو الصيرفة والتجارة...الخ. 7- مجال الجهاد في سبيل الله: كوجوب الجهاد الدفاعي لحماية ثغور المسلمين، وحرمة الفرار من الزحف....الخ. 8- المجال السياسي: كالعمل من أجل إقامة الحكم الاسلامي، وحرمة الاحتكام الى الكافر، وإقامة العدل في شتى مناحي الحياة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ...الخ. 9- مجال الهجرة: كوجوب الهجرة، ووجوب الالتزام بشروط الاستئمان، وحرمة التعرٌب بعد الهجرة....الخ. ان وجوب التقليد في كل ما تقدم من مجالات، ومجالات أخرى يتحقق -على غير المجتهد والمحتاط- في غير الضروريات و غير اليقينيّات؛ "يجب على كل من ليس بمجتهد ان يكون في جميع عباداته ومعاملاته وسائر افعاله وتروكه مقلداً أو محتاطاً إلا في الضروريات واليقينيّات ان حصل له اليقين."
مواقف مرجعية لابد من أن نتحدث ولو بشكل عابر عن بعض ملامح المرجعية على أكثر من صعيد حتى ترتسم أمامنا حقيقة المكانة التي يحضى بها مراجعنا العظام؛ وندرك السر الذي يقف وراء هذه الحقيقة؛ لأنّ المعروف عن الفقهاء في مجال النتاجات الفكرية اكثر بكثير مما عُرفَ عنهم في مجال السيرة الشخصية وصناعة المواقف على أكثر من صعيد؛ فمن أولى هذه الملامح هو: ◘ السمو الروحي: الذي يتمتعون به والذي يعكس علاقتهم بالله تعالى في كل الظروف: "عندما يقال للشيخ الانصاري: أحسنت كثيرا بأن تأتي كل هذه الاموال إليك ولا تنفق منها على نفسك. أجابهم أي إحسان هذا؟ إنه واجبي وأنا مؤتمن على هذه الاموال. فهل أخون الامانة؟" ونقل عن الامام الخميني (رض) حين كان راقدا في المستشفى وقد تأخر في أداء صلاة الظهر لمدة ساعة بعد زوال الشمس قال لمرافقيه ما أخّرت صلاتي طيلة ستين سنة من حياتي. ◘ التسامح: نقل السيد الحائري عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) "انه انفصل أحد طلابه عن درسه وعن خطه الفكري الاسلامي ثم بدا يشتمه وينال منه في غيابه امام الناس وكان كثير من كلماته تصل الى مسامع استاذنا العظيم وكنت-السيد الحائري-ذات يوم جالساً بحضرته الشريفة فجرى الكلام عن هذا الطالب الذي ذكرناه فقال (ره): انا لا زلت اعتقد بعدالة هذا الشخص وانّ ما يصدر منه ناتج عن خطأ في اعتقاده وليس ناتجا عن عدم مبالاته بالدين" ◘ الوعي السياسي: في رسالة كتبها الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء لمؤتمر بحمدون: "واختلاف كلمة الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية هوالذي أدّى الى فاجعة فلسطين وانشاء دولة اسرائيل. والعالم العربي الان يعرف جيدا ان لاسرائيل أهدافا اعتدائية، ويعرف ان اسرائيل كالنار الملتهبة تستمر في احراق ما يجاورها أو تُخمد ويقضى عليها، وكالوباء المكروبي الذي يظل منتشرا أو يُقتل ويفتن. ان قضية فلسطين في الوقت الحاضر بعد ان اعترفت بها دول كثيرة اصبحت معقدة جدا، وحلها يحتاج الى كثير من الحكمة والحذر والصبر والشجاعة،" ◘ العمق الفكري والاطلاع الثقافي: فان ما تمتع به السيد هبة الدين الشهرستاني، والسيد محسن الامين، والشيخ محمد جواد مغنية تجسيد لذلك؛ ومن المصاديق الرائعة في العصر الراهن هو/السيد الصدر وما تفتق عن يراعه من نتاج موسوم في اكثر من حقل من حقول المعرفة (فلسفتنا / اقتصادنا / البنك اللاربوي في الاسلام / الاسس المنطقية للاستقراء...الخ) ◘ التصدي الاجتماعي والتضحية: وهذا ما جسده الكثير من الفقهاء كالشهيد الاول والسيد الامين والشيرازي والامام الخميني والسيد الصدر الاول والصدر الثاني.
طبيعة العلاقة بين المرجعية والمثقف، وكيف ينبغي ان تكون؟ لما كان المثقف بالمعنى الاعم من ان يكون طالبا في الحوزة أم منتسبا لها متزودا من علومها فان هذا يقتضي ان يعاد على ضوئه النظر في تعريف المثقف أو طالب الحوزة ليشمل من يتزود بالعلوم الدينية وليس لمجرد الانتماء؛ وبذلك تمتد الحوزة الى حيث يمتد حامل الثقافة وفي أي ميدان يتواجد فيه؛ وهذه العلاقة الامتدادية توفر لطالب الحوزة / المثقف التزود من العطاء الفكري للحوزة كما توفر للحوزة إطلالة واسعة على الامة على مستوى الانتماء والتفاعل؛ خصوصاً وان الوسائل الحديثة من الاتصالات المعلوماتية قد وفرت اخصب الفرص لمتابعة التحصيل العلمي وعلى أعلى المستويات. لما كانت العلاقة متلازمة بين الحكم والموضوع فانه من الطبيعي والحالة هذه ان يكون التماس على أشده بين الفقيه باعتباره مختصاً باستنباط الحكم والمثقف المختص بالموضوع؛ وحيث ان المختص بالموضوع حين تكون له خلفية فقهية تؤهله لنقل المسائل المكونة لاي موضوع للفقيه كما لو نقل الكيماوي المتفقه حيثيات الاستحالة للفقيه أو نقل الفلكي المتفقه حيثيات حركة القمر والشمس للفقيه أو نقل الطبيب المتفقه حيثيات موانع الحمل للفقيه او السياسي المتفقه نقل حيثيات المصالح والمفاسد السياسية للفقيه وكذا العسكري المتفقه وهلم جرّا لاصبح الفقيه أقدر على تشخيص الموضوع وبالتالي أقدر على إصابة الحكم من موقع الفتوى ؛ وبذلك تكون العلاقة ذات طابع تكويني وممتدة بامتداد الموضوعات.
من هنا يفترض ان تكون العلاقة: 1- ذات طابع تشاوري على مستوى الاحاطة بالموضوعات المختلفة ليتسنى له الافتاء من موقع الاقرب ال الاصابة الحقيقة:" من هنا، فانه لا غنى لمرجع التقليد في موضوع الافتاء، عن التشاور مع الصالحين وأهل الخبرة. خصوصا أولئك الضالعين في الشؤون الاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية، الملمين بأوضاع المحيط خارج اطار الحوزة. وعلى المرجع فتح الابواب أمام هؤلاء، واعطاؤهم دورا فعالا للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم لاعطاء احكام وفتاوى اقرب إلى واقع الساحة." 2- تزويدهم بما لدى المرجعية من مصادر ثقافية وبحوث فقهية مهمة تسد الحاجة الماسة للمثقفين. 3- الاستشارة في بعض ما يناسب من الانشطة ذات الطابع الاجتماعي والتي تدور في أوساط أهل الاختصاص ما يجعل أصل النشاط أو من يناسبه من المنفذين أو أسلوب إنجازه أقرب الى الصواب. 4- استشارة المثقفين في كل منطقة بما يناسب من الوكلاء لاداء الشهادة بحقه أولا، ولتحقيق التعاون والانسجام ثانيا ولتوطيد العلاقة مع المرجعية ثالثا. 5- محاولة التعرف على طبيعة التحديات التي تحيط في كل وسط من أوساط الامة لغرض معالجته. 6- تبني المثقفين وتوظيف إمكاناتهم في مشاريع إسلامية ذات طابع اجتماعي. 7- اعتمادهم في حل مشاكل الناس وتقديم المشورة لمن يحتاج ذلك وتعميق العلاقة مع أوسع قطاعات من أبناء الامة. 8- تفقد الكادر المثقف عن طريق الزيارات من مرجع ما أو من يمثله للوقوف مباشرة على سير الاعمال.
الخاتمة إن العطاء المرجعي المبارك بما أحاطه الله تعالى من رعاية وسداد ليبسط ظله الوارف على الامة وهي تمر بأحلك الظروف حريُ بان ينظر له المثقفون بعين الحب والتقدير والطاعة والتعاون؛ وأن لا يفوتهم أهمية التزود من عطائهم الغزير والاستفادة من آرائهم النيرة؛ كما لا ينبغي ان يغفلوا عمّا يكيد الاعداء من محاولات لشق صف المرجعية أو دق إسفين الابتعاد عنهم وعدم الالتفاف حولهم. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
| |
|