تيار الاصلاح الوطني مؤسس المنتدى
عدد المساهمات : 149 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 16 الموقع : http://www.eslahiraq.net
| موضوع: نظرية الثقافة الاسلامية (2) الخميس 19 نوفمبر - 3:58 | |
| نظرية الثقافة الاسلامية (2)
يتعرض الاسلام اليوم الى حالة من التشويه أكثر من أي مرحلة مضت, مما يستدعي التصدي لحمل المسؤولية في تصحيح الصورة من جانب, ومن الجانب الاخر تطبيق الاسلام في مناحي حياتنا المختلفة؛ وتبقى الثقافة من أجل التطبيق, ومن أجل الدعوة, هي السبيل الوحيد الذي يأمر به الاسلام.
ميزات الثقافة الاسلامية
تستمد الثقافة الاسلامية ميّزتها من ميّزات الرسالة الاسلامية, من حيث المنشأ؛ كما انها انطبعت بطابع الشخصية الانسانية التي ستعنى ببنائها, على مستوى الفرد, والاسرة, والمجتمع, في كافة مجالات الحياة من حيث الهدف؛ نظراً للترابط العضوي بين الرسالة وبناء الانسان, وإعمار حياته وتشييد حضارته. وقد تجسدت تلك العلاقة في بناء المجتمع الاسلامي الاول, كما تجسدت مع كل بادرة تطبيق إسلامية, بحسب الدائرة التي مورست فيها الرسالة, وزخرت الحياة بمفاهيما, واحكامها؛ كما ان الوجه الاخر من الحرمان بسبب عدم التطبيق, قد ترك بصماته على حياة الناس, رغم الرقي المادي الذي حققه, والتقدم الصناعي الذي أحرزه. مما يفسر تفشّي الشقاء, وانتشار الجرائم, وانعدام العدل, في مجتمعات عالم اليوم.
يبقى أن نقف على أبرز المميزات التي اتصفت فيها الثقافة الاسلامية:
المعنوية:
نقصد بالمعنوية, أو الفهم المعنوي للحياة, هو ان ينظر الانسان لها من خلال ارتباطه بالله تبارك وتعالى, وعموم الرابطة الغيبية التي تطلق العنان للروح, كي يدرك بواسطتها المعنى الحقيقي للحياة, دون ان يكون حبيس الحواس, وأسير النزعة المادية. ان الفهم المعنوي للحياة من شأنه ان يمنح المرء رؤية واقعية, يجمع فيها بين معطيات المادة الحسية والحقائق الغيبية, التي يكشف عنها الدليل النقلي المعتبر-بالقرآن الكريم والسنة المطهرة- وما يلقاه من تجاوب فطري ينبع من أعماق النفس الانسانية. مثل هذا الفهم هو الذي يتولى تحريك الانسان من داخله, ويعمّق فيه الشعور بالرقابة الذاتية, المرتبطة بالحضرة الالهية, التي لا يغيب عنها شيىء في النفس الانسانية "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" ؛ ان هذا الشعور المعنوي العارم ومن جرّاء هذا الفهم, يعطي البذل والتضحية وكل معاني الخير مذاقا خاصا, لا يحسّ بطعمه الانسان المادي, ويحوّل الوجود من حوله الى ساحة عطاء, تتجاوز أسوار المادة وتهذّب آليات "الانا". ليس هذا مجرد عقيدة, أو احساس, منقطع عن التعامل اليومي, الذي يمارسه الانسان مع نفسه وأهله ومجتمعه؛ فالامانة, وحسن الظن, والتوكل على الله, والدعاء, والصدق في الحديث, وكل ما يمت للخير بصلة, يرتكز على قاعدة "الفهم المعنوي" وبها يستقيم على مسارات التعامل كافة؛ فانبعاثه لاعطاء الحقوق المالية, وبذل الصدقات, وحسن الجوار وصلة الرحم, وحفظ السر لمن يأتمنه, والتعفف عن كل محرم, وما الى ذلك من مفاهيم, لا يخرج عن تأثير هذا الفهم, رغم غياب الرقابة القانونية, والاجتماعية, وحتى العائلية عنه أحيانا. وبدونها يفقد كل ذلك السلوك مبرره, ويكون عاجزا عن التفسير. لقد تسنم الاقتصاد الاسلامي رتبة متقدمة في مجال التعاطي مع متعلقيه من الملتزمين, حين ينطلقون لدفع ما بذمتهم من حقوق وينأون بأنفسهم من أي غش أو تدليس بعيدا عن الرقابة الحكومية ليتأكد فيهم الدافع المعنوي.
2- الربانية:
ان الثقافة الاسلامية تؤكد على ان الله تعالى هو الخالق, وهو المشرع, وهو المربي, وعليه فان الخالق الذي أحاط بمخلوقاته من كل جانب, لا يمكن ان يتصور ان يستغنى عن أحكام شريعته, أو يستعاض عنها بثقافة البشر وبتجاربهم؛ ان ما تكشفه التجارب الثقافية في الحياة من تفاوت بالافكار والقوانين, من بلد الى بلد, وفي البلد الواحد من زمن لآخر, يجعل الظلم طابعا عاما على كل بني الانسان عبر التأريخ؛ لا نريد بهذا إلغاء التجربة من حياة الانسان, وحتى التقليل من أهميتها, فقد قال الامام علي (ع) "العقل عقلان عقل الطبع وعقل التجربة وكلاهما يؤدي الى التجربة" انما الذي نريد تثبيته, هو أن العقل التجريبي بمقدار ما يوصل الانسان الى الحقيقة, في مجالات الحياة المادية, ويمضي به الى مديات بعيدة في كافة المجالات, كما هو اليوم؛ وقد اقتحم الانسان عالم الفضاء, وتوغّل الى أصغر وأدق المخلوقات المجهرية؛ لكنه ليس كذلك في فهم العقيدة والحياة المعنوية. السعادة لا يمكن ان تنال من دون عقيدة بالخالق, ومن دون الاذعان الى شريعته كربّ, وانه تعالى يبعث الوحي لرسله, حتى يوصلوه لعباده؛ ولا يمكن ان يتصور ان احكامه جل شأنه, عرضة للخطأ, او انها رهينة التجربة. ان الربانية تقتضي الربط بين ما يحتاجه الانسان في كل جوانب شخصيته, على صعيدي الدنيا والاخرة, وهو ما تكفل الاسلام به عقيدة وشريعة "ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا والاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدّعون"]
3- الشمولية:
لم تترك الشريعة الاسلامية مجالا من مجالات الحياة دون ان تغطيه بالاحكام "لا تخلو واقعة الا ولله فيها حكم" وهي انما تناولت حياة الانسان بالشمول, ليتحقق فيه الانسجام في السلوك حين يطبّق احكام الشريعة من الناحية العملية, تماما كما تنسجم مفردات الشريعة داخل إطارها من الناحية النظرية. ففي كل ميدان يلِجُه المرء, وفي كل مرحلة من مراحل حياته, ومع أي مفردة من المفردات التي يتعاطى معها, يجد منظومة من الاحكام الشرعية, تلزمه بالتعامل على ضوء ما يريد الله سبحانه. ففي مجال بناء الشخصية صبّت الشريعة اهتمامها على عناصر تكوينها,-روحا وعقلا ونفسا وخلقا وبدنا- وفي مجال العلاقة الزوجية والأسرية عموما واكبته, وكذا في المجال الاجتماعي, والسياسي, لتتكفل بناءه بناءاً اسلاميا سليما, ينعم هو ومن يدخل في حياته أو يقع تحت تأثيره بالامن. ما تعاني منه المجتمعات البشرية من ويلات, ومصائب, وحروب, يرجع في اسبابه الى غياب شرع الله عن التطبيق؛ لتسود بدلا عنه شرعة الانظمة الوضعية, التي يتحكم فيها القوي بالضعيف. فهي لم تقتصر على مجالات تعامل الانسان مع الانسان وحسب, بل امتدت لتشمل التعامل مع الحيوان, لتحرّم قتله من دون مبرر وتوصي بالرأفة به, كما انها لم تبح مثلا صيد الحيوان لمجرد اللهو. أكثر من ذلك أمرت الشريعة بالتعامل مع الموارد الطبيعية بشكل متوازن ونافع للانسان, من دون ان تطال يد العبثية في الاسراف والاتلاف اليها. وأوصت بالاهتمام بالزرع فقد جاء على لسان الرواية "ارحموا عمتكم النخلة" ان الشمول في الشريعة لا يدع مجالا من المجالات الا ويغمره بالسعادة وافشاء العدل, في كافة مناحي الحياة بما فيها الحكم والسياسة "ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون....هم الظالمون....هم الفاسقون". "ألم ترَ الى الذين يزعمون انهم آمنوا بما أنزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا"
4- العالمية:
الاسلام خاطب كل بني الانسان, من دون تمييز في اللون, أو الجنس, أو اللغة, أو القومية, أو الطبقة؛ فهو لا يقر مزاعم اليهود, الذين يدّعون انهم شعب الله المختار! أو ادّعات الماركسية بشرعية دكتاتورية طبقة العمال! أو بأساطير الفرس الذين قالوا بقداسة أرضهم! أو افتراءات الرأسمالية بسيادة الانسان الابيض على غيره! الاسلام خاطب الناس كافة "وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا نذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون". وقد استجاب لركب الاسلام نماذج مختلفة من بني الانسان؛ فمنذ الشوط الاول اصطف سلمان الفارسي, وصهيب الرومي, وبلال الحبشي, الى جانب المسلمين العرب, وهاهم ابناء الاسلام في كل مكان من أرجاء المعمورة, لا يحدهم شيء, ولا يحول دون ترديد هتافهم الاسلامي الخالد حائل. عملا بقول الله عز وجل "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير"] . وهذا هو الذي يعطي الاسلام سر النفوذ في عقول وقلوب الناس كافة على مدى الدهور وفي كل المجتمعات, ويجعله الوريث الطبيعي والمستجيب الفطري لنداءات النفس البشرية السليمة. فالاسلام لا ينفي اليهودية أو النصرانية كتابا أو شريعة بل ويُقرّ وجودهم التاريخي ويقدّس أنبياءهم (ع), في نفس الوقت الذي يثبت حقيقة كونه خاتم الاديان وان محمد (ص) خاتم الانبياء.
5- المواكبة:
الاسلام يحمل ميزة مواكبة الحياة رغم تقادم الزمن, وتغير الظروف, واختلاف المجتمعات؛ وهذا قد يبدوا للوهلة الاولى أمرا صعبا ان لم يكن مستحيلا. اذ كثيرا ما يتردد سؤال في بال الشباب وهو كيف يتأتى للاسلام عنصر المواكبة, رغم البون الشاسع ما بين عصر انطلاقته في القرن السابع الميلادي, وعصرنا الحاضر؟ وما سيستمر عليه ركب البشرية الموغل في الاستقبال؟ ان الشريعة الاسلامية قد ضمّت في ثناياها أحكاما تخاطب الانسان في كل مجالات حياته من دون استثناء؛ واذا كانت عناصر التكوين الثابتة في الشخصية تطلبت احكاما ثابتة لم تتبدل, كتلك التي حددت صلاته, وصومه, واحكام زواجه, والكثير من عناصره الثابتة, فان العناصر المتغيرة من شخصيته, هي الاخرى تطلبّت مراعاة الشريعة لها, من خلال الاحكام المرنة التي تواكب المتغير في حياته وظروفه. وأحسب ان مسألة الثبات في الشخصية أمر واقع حتى على الصعيد التكويني الطبي, الذي يفرض حقيقية الاكل الشرب ومواجهة الطبيعة, وتقلبات الطقس وهو ما يتطلب انظمة طبية, تراعي في ثوابتها ثوابت الجسم, وفي متغيراتها متغيراته؛ الحج تكليف ثابت في ذمة المكلف والاستطاعة شرط في صحة التكليف, غير ان الظروف الحالية بما زخرت به من امكانات النقل المتطور, والسكن الآمن, والخدمات المتميزة, كلها جعلت من الاستطاعة أمرا أيسر من ذي قبل. وهو ما أتاح الفرصة لاكبر عدد ممكن من الوافدين لبيت الله ان يؤدوا الفريضة. وقل مثل ذلك في الكثير من المجالات, كوسائط النقل, وأجهزة التعليم, والاعلام, والفن, والرياضة, و البناء...بل راح الاسلام الى أبعد من ذلك حين سابق الزمن وناشد اصحاب الاختصاص لفتح طرق مباحة بعد أن أغلق الكثير من الطرق والمسالك اللاانسانية في التعامل التي كادت ان تعم عالم البشرية, كالذي مورس بحق المجانين وكاد ان يقضي عليهم, أو اشاعة "قتل الوأد" بحجة تحديد النسل كما هو في بعض بلدان العالم كالصين والهند أو "قتل المشوهين" تحت ذريعة الحيلولة دون تعاستهم والتخفيف من معانات اهليهم, ويدفع بهم لاستكناه المستقبل, ومعرفة ما يمكن استشراف المسبقبل من خلاله, فكانت هندسة الجينات مثلا, أو تطور علم الأمراض العقلية والنفسية.
6- الواقعية :
وهي ان الاحكام الشرعية تقوم على ملاكات من المصالح والمفاسد؛ الله تبارك وتعالى أعلم بها. ان تسليم العبد المؤمن بحكمة الله, تستدعي بالضرورة ان يسلّم بان الله لا يأمر بشيء الا وفيه مصلحة, ولا ينهى عن شيء آخر الا وفيه مفسدة. النظرة الموضوعية للشريعة الاسلامية تكشف عن اثار الحكمة البالغة في مفرداتها؛ وانّ ما وصلت اليه الاحصاءات والتجارب العلمية في الكثير من المجالات, يؤكد هذه الحقيقة؛ فتحريم شرب الخمر, وقتل النفس البريئة, والسرقة, والتمييز العنصري, وإرعاب الامنين, والتحكم باموال الغير, وعقوق الوالدين, والاساءة للجار, وإهمال النفس والالقاء فيها الى التهلكة من جانب.... وعدم المساواة بين المرأة والرجل, في مجال الفوارق الموضوعية, والغاء التمييز على اساس العنصر, أو اللون, أو الدم من الجانب الاخر, يؤكد على واقعية الاسلام. ان الانطلاقة التجريبية في ميادين الحياة الحسية عزّزها في اكثر من مجال, غير ان اخضاع الاحكام الفقهية والامور الغيبية الى الاليات التجريبية, لم يكن الا ان يكلف البشرية ردحا طويلا من زمن التطبيق الخاطىء, لتعود بعد عناء شاق لما قاله الشرع منذ زمن بعيد, في مجالات القانون الجنائي وتنظيم الاسرة, والتعبير عن الراي... الخ؛ كل ذلك يؤكد حقيقة الواقعية بالتشريع الاسلامي.
7-الاخروية:
من المذاهب الاجتماعية ما يؤكد على الغاء او تغييب الاخرة من حياة الانسان, ويبرز الدنيوية في حياته على انها هي الاساس او الوحيدة؛ مثلما فعلت العلمانية والوجودية والمادية؛ ومنها ما قصر التفكير على الحياة الاخرة وانكفأ عن الحياة الدنيا, كما فعلت الرهبانية, والصوفية؛ ومنها ما فصل بين الحياة الدنيا والحياة الاخرة, كما في النصرانية المحرّفة, التي قالت بأنّ "ما لله لله وما لقيصر لقيصر" وأنّ "الله ملك الارواح وان قيصر ملك الابدان"؛ ومنهم من اتخذ من الدنيا منطلقا أساسا مع إيمانه بالاخرة, وحسر كل ما ارتبط بالاخرة بأضيق دائرة ممكنة, فالصلاة, والصوم, والحجاب, وفريضة الحج, واداء الحقوق الشرعية, كلها مما يؤدّى في سني عمره المتأخرة؛ وقد يتملّك صاحبَ هذه النظرة عجب, حين يلتقي شابا أو شابة وهو يلتزم بأحكام الشريعة. ان النظرة المتوازنة هي التي تعطي الاخرة الحصة الاوفر التي تستحق وتتخذ منها منطلقا في العمل. الشريعة الاسلامية ركزت على الحياة الاخرة, معتبرة اياها انها هي الحياة الحقيقية "وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون". كما أكدّت على أهمية الانطلاق منها لرسم طريق الحياة "وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك.."، "ومن أراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأؤلك كان سعيهم مشكورا"، ان التركيز على الاخرة لا يعني بحال ان يهمل الانسان حياته الدنيا, فان القران الكريم لا يلغي ذلك "ومنهم من يقول ربنا اتنا في الحياة الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عداب النار"، وقد جاء في الحديث الشريف "ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنيا.
8- الانفتاح :
الثقافة الاسلامية تتميز بانها منفتحة, لا تقر الانغلاق والتأطر بالماضي, لا لشيىء الا لانه ماضي؛ كما لا تنكفأ على مكان ما مهما كان لهذا المكان من قيمة أو خصوصية؛ الاسلام رفض للانسان ان يكون إفرازاً عصارياً للبيئة, أو امتداداً لاإرادياً للاباء والاجداد "بل قالوا إنا وجدنا اباءنا على أمة وإنا على اثارهم مهتدون" انه دين أراد لمعتنقيه ان يأخذوا العقيدة عن دليل, وأن ينفتحوا على كل مخالف لهم, ويطالبوه بالبرهان "...قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين", كما انطلق بالمؤمنين ليتحركوا حيثما تتحرك الحكمة, بغض النظر عن حاملها حتى اذا كان كافراً او منافقا, فقد جاء في الحديث الشريف: "الحكمة ضالة المؤمن فخذ ضالتك حتى من أهل النفاق" واراد للمسلم ان يطلب العلم ولو من غير المسلمين فقد جاء في الحديث الشريف عن الرسول (ص): "اطلب العلم ولو بالصين". كل ذلك يشير بكل صراحة على اهتمام الاسلام بأهمية الوصول الى الحقيقة وبناء المجتمع, على أسس علمية واقراره على ان العلم ليس حكرا على أحد, فقد تتلجلج الحكمة على لسان المنافق فيقذفها في اذن المؤمن, كما ورد في الرواية. على ان هذا الانفتاح لا ينبغي ان يمارس من موقع الغفلة, او عقدة الشعور بالدونية او فقدان الثقة بالنفس. فقدت زخرت صفحات التاريخ بانصع صور الانفتاح على الاخر, من دون ان تعاني من عقدة الانغلاق على الذات, مما ساهم الى حد كبير باثراء الفكر الاسلامي, وتأهيل المسلمين ان يمارسوا دورهم في اثراء المسيرة الثقافية, عبر مجالس الاحتجاج, وقد كانت المواضيع التي تطرح لاتقتصر على باب من ابواب العلم, ولا شبهة من الشبهات, والانفتاح هذا كان يمارس على صعيد منح المتلقي الاسلامي من ابناء الديانات الاخرى بينما يمارس المعطي الاسلامي دوره في الاثراء, واحيانا يستحث المسلم ان ينفتح على غير المسلمين من موقع الاخذ والتعلم؛ فمن ظواهر الصحة أن يتردد على لسان المثقف الاسلامي, الاستشهاد بحكمة من اصحاب المذاهب الاجتماعية الاخرى, دينية ام غير دينية, كقول المسيح (ع), وموسى (ع), او حكيم الصين كونفوشيوس, او سقراط, مما يشير الى وجود المشترك الديني والمشترك الانساني.
9- الانسانية:
لقد أولى الاسلام الانسان رعاية خاصة وكرّمه بما هو انسان, بغض النظر عن معتقده, وثقافته, ووعيه, "ولقد كرمنا بني آدم وحمتناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا". كما أشاد الاسلام صرح البناء المدني للمجتمع على أسس انسانية, ابتداءاً في العلاقة الزوجية, وما اودع الله تعالى فيها من مودة ورحمة, لتدّخر كل مشاعر الحب وتتوشح بانبل الاحاسيس وتعيش حالة من الاستقرار والسكينة, ما تصلح معها ان تكون نواة صالحة في المجتمع, تنمو وتتفاعل مع كل أمثالها, لايجاد المجتمع الانساني الذي يزخر بالمعاني الانسانية ويعطيها قاعدة عريضة, يقوم عليها بناءه وتتفاعل مع قيمها معتقداته واحكامه "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة... "]. واستمر معها الى مرحلة العطاء التكويني في الانجاب, ليصوغ العلاقة مرة أخرى على نفس الاساس, ويأمر الولد بالاحسان للوالدين, بغض النظر عن دينهم, ومدى التزامهم وحتى اذا ما تعرض الولد الى ضغوط عنف من الوالدين, لحمله على الشرك فأمره الله تعالى على عدم الطاعة, من دون ان يخل بقاعدة "المصاحبة بالمعروف" "وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا....". كما ثبّت "اطار التقوى" للاجتماع الذي تتحرك فيه كل العلاقات من الشعوب او القبائل المكونة لذلك الاجتماع "ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم
| |
|