نوري الراوي وزير الثقافة

 السلام عليكم، حوار جديد ووزير آخر من وزراء الحكومة الانتقالية، ضيفنا في هذا الحوار معالي وزير الثقافة في حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري الاستاذ نوري الراوي.

- معالي الوزير، نود ان نطلع على نبذة مختصرة عن حياتكم الشخصية؟

الوزير: نوري فرحان احمد الراوي، من مواليد 1944 قضاء راوة، في محافظة الانبار، درست الابتدائية، والمتوسطة، والاعدادية في راوة، بعدها انتقلت إلى بغداد للدراسة في كلية العلوم، لم استمر في كلية العلوم حيث تركت الدراسة فيها، والتحقت بكلية الشرطة.
تخرجت من كلية الشرطة عام 1966، وعملت ضابطا في الشرطة لثلاث أو اربع سنوات، بعدها جاء البعثيون الى السلطة وتم اعتقالي في نهاية شهر تموز، أي: بعد انقلاب عام 1968 بـ 13 يوما.
بعد اعتقالي، قضيت اكثر من سنة في سجن قصر النهاية، لقد مارست السياسة منذ نعومة اضفاري، فمنذ عام 1959 وانا امارس السياسة، حيث انتمي الى الخط القومي العربي.

- معالي الوزير، هل مرت بحياتك احداث معينة اثرت فيها، وغيرت مسارها لتوصلك الى ما انت عليه؟

الوزير: منذ ان كنت طالبا في المرحلة الابتدائية كان عندي حب القيادة، وكنت حتى وانا أتمشى مع أصدقائي أكون قائدهم، في دراستي كنت جيدا ومتميزا وفي كل مراحلها: الابتدائية، والمتوسطة، والاعدادية، وحتى في الدراسة الجامعية كنت متميزا ايضا.
كنت طالبا في كلية الشرطة عندما شاركت مع (عارف عبد الرزاق) في محاولة انقلاب عام 1965 على نظام (عبد السلام عارف)، وكنت ممن شاركوا في احتلال الاذاعة في ذلك الوقت، كانت الامور انذاك كلها ذات طابع عسكري، لقد شعرنا بخطر البعثيين اذا ما وصلوا للحكم، وحاولنا انقاذ البلد منهم، لكنهم سبقونا بانقلاب عام 1968.

- استاذ نوري، بالحديث عن فترة سجنكم، هل كنتم تقومون بانشطة معينة، تعرضتم على اثرها للسجن؟
الوزير: لقد كنت من الناشطين في التيار القومي العربي، وعندما جاء البعثيون الى السلطة، كانوا يشعرون ان اخطر القوى عليهم هي القوى القومية؛ لان هذه القوى كان لها اتباع داخل الجيش العراقي (في نهاية الستينيات من القرن الماضي).
بسبب ارتباطات القوى القومية بالجيش وقدرتها على تحريك الاوضاع، بدأ البعثيون بتلك القوى، حيث اعتقل الكثير منا، وصفي عدد كبير من القوميين فمنهم من قتل، ومنهم من اعدم، وشرد قسم منهم، هذا هو السبب الأول الذي ادى الى اعتقالي لمدة سنة ونصف في سجن (قصر النهاية) في عهد ناظم كزار.

- هل كنتم تطمحون الى وزارة الثقافة - استاذ الراوي- ام الى وزارة اخرى؟

الوزير: عندما كنت ضابطا، كان عندي طموح ان اكون رئيسا للجمهورية، لذا شاركت في عدة محاولات انقلابية ضد البعثيين، فانا من ناشطي التيار القومي المعروفين في العراق، فنوري الراوي كان معروفا بانه من المعارضين لنظام صدام حسين، وتعرضت بسبب ذلك الى الاعتقال والسجن لاكثر من عشر مرات، وقضيت في السجون نحو 8 سنوات.
لقد تعرضت الى مشاكل كثيرة بسبب نشاطي السياسي، فقد سجنت، وعذبت، وحوربت في رزقي، وتعرضت للاقامة الجبرية، وعندما انهار النظام (في 2003)، كنت من الذين جاؤوا الى الكاظمية والاعظمية ومنذ اليوم الأول، وشاركت في المظاهرة التي خرجت تهتف: لا سنية.. ولا شيعية.. وحدة.. وحدة اسلامية.
مع سقوط النظام السابق جئت فورا من راوة الى بغداد، حيث بدأ نشاطنا السياسي في الساحة العراقية.
أنا شخص معتدل في كل آرائي، وحتى في داخل بيتي انا معتدل، وعندما اختار السيد الدكتور الجعفري - اطال الله في عمره - وزراءه، تم اختياري ممثلا عن التيار القومي العربي.
اما لأية وزارة كنت اطمح؟... فقد كان همي الاول هو ان اشارك في بناء العراق، وان اسهم في خدمته، وبالتالي تم اختياري لوزارة الثقافة.

- كيف تصفون معالي الوزير، مرحلة سقوط نظام صدام، ودخول القوات متعددة الجنسيات؟

الوزير: نظام صدام حسين هو سبب كل هذه المشاكل، (أي: وجود القوات الاجنبية وما تبعها)، وبسبب سوء تصرفات النظام، اصبحنا نتعامل مع ايّ كان في سبيل التخلص منه.

- استاذ نوري، ما تقييمك لواقع الثقافة العراقية الان، وانتم كما سمعنا مهتمون بالفن التشكيلي؟

الوزير: عندما تسلمت وزارة الثقافة، كانت الوزارة مبنية على ثقافة السياسة الواحدة، والحزب الواحد، لذا حاولت فتح ابواب الوزارة على الثقافة العراقية بصعدها الاسلامية، والعلمانية، فلم نميز بين احد.
لقد عملنا في وزارة الثقافة على تطوير ميادين الثقافة كالفنون التشكيلية، والموسيقى، والسينما، والمسرح، واستطعنا اقامة وافتتاح معارض كبيرة، واحدها اقيم في الهواء الطلق، وقد حاول المخربون استهدافه بعمل ارهابي، ولولا سياج الوزارة لكنا في عداد الاموات، ولكن الله (سبحانه وتعالى) حفظنا، اما بالنسبة لاهتمامي بالفنون التشكيلية، فانا مذ كنت طفلا عندي هواية الرسم.

- معالي الوزير، هل الفن التشكيلي العراقي اكثر اصالة مما ينجزه الاوروبيون مؤخرا؟

الوزير: الفن التشكيلي العراقي يتميز (بالالوان الصارخة) وهذه الميزة لا يختص بها سوى العراقيين، وفي آخر ايامي في وزارة الثقافة التقيت برئيس اتحاد المسرحين والفنانين التشكيليين العراقيين حيث كان يرمم بناية الاتحاد، وقد قال لي: لقد بعت ستين لوحة في اميركا، وحصلت من بيعها على مبلغ جيد جدا، وقد بدأت بتطوير هذ البناية لإقامة المعارض التشكيلية فيها.

- هل من الممكن معالي الوزير، ظهور تشكيليين مبدعين على نحو الفنان فائق حسن، وجواد سليم في مرحلتنا الحالية؟

الوزير: والله... لدينا في العراق فنانون تشكيليون، وفنانون اخرون غير موجودين في انحاء العالم الاخرى، لكن الوضع الامني لازال يتعب الفنانين، ولازال الوضع الاقتصادي والمالي يتعبهم، وقد حاول الدكتور الجعفري مساعدتهم، فقد حصلنا لهم على مبلغ ملياري دينار يوزع على اساس كونه اكراميات، أو رواتب تقديرية وليس مثلما كان يحصل في النظام السابق حيث كانت تسمى (مكارم).
نحن لم نقل مكرمة، وانما راتب تقديري، أي: تقديرا لجهودهم، فعملنا على نظام يمنح للفنانين رواتب تدفع كل ثلاثة اشهر، وبلغ عدد هؤلاء الفنانين نحو 7000 فنان.
ولغرض دفع الفنانين، كنا نقوم بشراء لوحاتهم، حتى يشعروا ان اعمالهم مرغوب فيها، فبدلا عن ان نشتري اللوحة بـ200 الف دينار، كنا نشتريها بـ 300 الف دينار، حيث نقدم هذه اللوحات كهدايا الى الوزارات الاخرى، او نقوم باهدائها عند سفرنا خارج العراق.

- ماذا يمثل لك اسم (عبد المنعم فراد)، معالي الوزير؟

الوزير : عبد المنعم فراد فنان تشكيلي جيد، ومعروف، انا لم التق به، لكني اعرف انه رجل بارز في الفن التشكيلي.

- استاذ الراوي، كيف تم اختياركم لوزارة الثقافة من قبل الدكتور الجعفري، خصوصا وهو ذو توجه اسلامي، وانت قومي علماني؟

الوزير: لقد عملت ضمن التيار العروبي، وبعد ذلك اسميناه التيار العربي، واول شخص في التيار العربي هو السيد الجعفري، فهو رجل عربي، ومؤمن بالعروبة بدرجة اكبر مني، والرجل يحب العروبة، ومنها عروبة العراق، والجعفري من اكثر الناس الذين ارادوا تثبيت عروبة العراق في الدستور، الجعفري ليس بعيدا عن العروبة، بل على العكس هو من المقربين جدا منها.

- معالي الوزير، حدثنا قليلا عن الوزارة، وكيف تسلمتموها، وماذا وجدتم من ميزانية ومشاريع هيأتها لكم التشكيلة الوزارية التي سبقتكم؟
الوزير: الوضع المادي لوزارة الثقافة ذو شجون، وبسبب الوضع الامني، والاقتصادي وزارة الثقافة لازالت تعاني من الوضع المادي، مع هذا فقد انشأنا مشاريع قوية فقد تمكنا من اعادة الاعلاميين، وتمكنا من اخذ الموافقات لافتتاح 16 مركزا ثقافيا في انحاء العالم، وبدأنا كذلك في انشاء بيوت ثقافية في المحافظات، حيث فتحت في النجف، وكربلاء، والناصرية، والبصرة، والموصل، ولا زال العمل مستمرا لافتتاح هذه البيوت الثقافية في باقي المحافظات.

- وماذا عما تركته لكم التشكيلة الوزارية السابقة من مشاريع؟

الوزير: المشاريع الاستثمارية مستمرة ضمن خطة الميزانية، اما في المشاريع الثقافية فقد كان السيد الجعفري عونا قويا لنا، فانا كنت اعتبره المثقف الاول في العراق، ودائما كان يشجع على اقامة المهرجانات والمؤتمرات الثقافية، وكان دائما يطلب مني رعاية المثقفين، وإعانة المثقفين، واستيعابهم.
لقد كان هناك دعم قوي من السيد الجعفري، ومن مجلس الوزراء لموضوع الثقافة، فالثقافة العراقية وخلال فترة الحكومة الانتقالية وصلت مراحل متقدمة، حتى ان البعض يعتقد ان هذه الفترة، هي الفترة الذهبية لوزارة الثقافة، والمثقفين في العراق.

- معالي الوزير، حدثنا عن انجازات وزارة الثقافة خلال فترة الحكومة الانتقالية؟

الوزير : خلال فترة الحكومة الانتقالية تمكنا من اعادة بناء هيكل الوزارة، ومن اهم هياكل الوزارة كانت مديرية العلاقات الثقافية، وهذه المديرية تمكنت من اقامة خمسة مهرجانات في اسبوع واحد، وتمكنا من اقامة مهرجانات في ابعد نقطة في العراق وحتى في الاهوار، في ناحية الفهود في الناصرية، في الموصل.
لقد انطلقت وزارة الثقافة في فترة الحكومة الانتقالية انطلاقة قوية رغم الوضع المالي الصعب للوزارة، لكن مجلس الوزارء كان يدعم الثقافة، وعندما اردنا ان نقيم مهرجان المربد، طلبت من المجلس 200 مليون دينار عراقي، وتمت الموافقة على طلبي مباشرة، وعندما اردنا مكافأة الاخوة الفنانين، والمثقفين وافقوا على اعطائنا مبلغ ملياري دينار، لذا كان مجلس الوزراء لا يرد لنا طلبا.

- استاذ نوري، اين وصلت عملية اعادة الآثار العراقية المسروقة، وعملية اعادة تأهيل المتحف العراقي؟

الوزير: الاثار العراقية تضررت كثيرا، ومجموع القطع الاثرية التي سرقت نحو 15 الف قطعة، وما تم اعادته منها (الى هذا الوقت) نحو عشرة آلاف ونصف الى احد عشر الف قطعة اثرية، اما المتبقي فلا زال البحث جاريا عنها في كل العالم.
في موضوع الاثار ظهرت مشكلة جديدة، حيث توجد الان مناطق اثرية خارج سيطرة الدولة بسبب الوضع الأمني، وهذه المناطق سرقت منها الاثار وزالت تسرق منها الاثار غير المستخرجة لحد الان.
نحن نتابع باهتمام ما سرق من المتحف العراقي، فهذه الاثار مرقمة، ومسجلة وقد عممنا اوصافها في كل انحاء العالم، وبناء على هذا التعميم يتم ضبطها في انحاء العالم المختلفة الان.
اما فيما يخص المتحف العراقي فقد اتفقنا مع وزارة الخارجية الايطالية، ومع احدى الجامعات الايطالية على تطوير المتحف العراقي، وبناء مخازن فيه، وتهيئة احدى قاعاته، اضافة الى ذلك تم الاتفاق مع احدى الجامعات وبتمويل من وزارة الخارجية الايطالية لغرض ادخال المتحف العراقي في الشبكة العالمية للانترنت، أي: سيكون بالامكان وعن طريق الانترنت ومن أية دولة في العالم الدخول الى المتحف العراقي غرفة.. غرفة، وهذا المشروع وقع عقده، ومع تحسن الوضع الامني ستتم المباشرة فيه.
معالي الوزير، ماذا عن قصور الطاغية صدام، هل في النية تحويل هذه القصور الى متاحف، ومنتجعات سياحية، وثقافية، وهل كان في نيتكم ان تحولوا احد هذه القصور الى مركز ثقافي للشاعر محمد مهدي الجواهري؟
الوزير: لقد تمكنا من استصدار كتاب من مجلس الوزراء، ومن قوات التحالف مفاده ان كل القصور الرئاسية التي بناها النظام السابق تعود الى وزراة الثقافة، حيث تشكلت لجنة وحسب موقع القصر يتم التقرير لان يكون مركزا ثقافيا، او سياحيا، او اثاريا.
لقد بدأنا بقصر الاعظمية، الذي تقرر ان يكون مكتبة متطورة، ومركزا ثقافيا مع قاعات للعرض في الاعظمية، والاتصالات بشأن هذا القصر جارية مع الجهات ذات العلاقة، منظمة اليونسكو ابدت استعدادها لتغطية تكاليف ترميمه، واظهاره بمظهر جيد.
القصر الآخر في منطقة العطيفية، وهذا تقرر ان يكون احد اقسامه مركزا ثقافيا يحمل اسم الجواهري، والقسم الاخر يخصص لنقابة الصحفيين، والاتصالات مستمرة مع وزراة الدفاع لاستلامه من قبل وزارة الثقافة.
اما القصور الأخرى مثل قصر الحبانية، الوضع الأمني (الان) لا يساعد على اتخاذ اجراءات بشأنها، وكذلك القصور الرئاسية في تكريت التي استلمناها، وتم اغلاقها، ووضع حراسات عليها، الى حين تحسن الوضع الامني، وهذا موكول للوزير القادم.

- أي: ان هذا الامر قيد الانجاز، معالي الوزير؟

الوزير: كما قلت: الوضع الامني لم يساعدنا لاعادة تأهيل القصور في تكريت والحبانية، اما قصرا الاعظمية والعطيفية، فنحن ننتظر تسلمهما من وزارة الدفاع.

- ماذا عن الاتفاقية الثقافية بين العراق وبولونيا؟

الوزير: كانت هناك معاهدة سابقة بين البلدين قمنا بتجديدها، ولازالت الاتصالات مستمرة لتوقيع هذه المعاهدة، على اساس ذهاب وزير الثقافة في حكومة الاستاذ المالكي الى بولونيا من اجل التوقيع على المعاهدة، ماجرى هو توقيع بالاحرف الاولى فقط، لكن التوقيع النهائي لم يحصل الى الان.

- معالي الوزير، ما ابرز المعوقات التي واجهت عمل وزارة الثقافة؟

الوزير: كنا نعاني من مشاكل مالية، واما ما سواها فلا يوجد، لاننا انفتحنا على الجميع، ووجدنا الكل متعاونين معنا، وتمكنا من اظهار الوزارة بمظهر جيد، ورفعنا شعارا جديدا هو ان الثقافة العراقية ثقافة عربية اسلامية، بعيدة عن التطرف، وهي ثقافة القبول بالرأي الاخر، ورفعنا شعار (ان الطائفية تتحطم على سياج وزراة الثقافة).
نحن في الوزارة لم ننظر في يوم من الايام الى هذه الامور (أي: التمييز على اساس طائفي)، ويسرني ان المثقفين لم ينحرفوا ابدا مع الاتجاه الطائفي، فقد بقينا في مهرجانات الوزارة ندعو الى وحدة العراق، والى المصالحة، والى بناء عراق واحد بعيد عن كل المهاترات، وما يجري في الشارع.

- كيف كانت اطلالة الوزارة خارج العراق، معالي الوزير؟

الوزير: حضرنا مؤتمرات كبيرة كمؤتمر مدريد الذي حضره اكثر من 107 وزراء ثقافة من مختلف دول العالم، وكان موضوع المؤتمر حول الموروث الثقافي العالمي، اضافة الى مشاركتنا في الجزائر في مؤتمر وزراء الثقافة العرب، واميركا اللاتينية، اضافة الى مهرجانات كثيرة اخرى.
كما اعددنا لاقامة مهرجان في الامارات، واعتقد ان مدير عام الادارية سافر الى الإمارات لغرض الاعداد للمهرجان، سيشارك فيه نحو 250 منتسبا من وزارة الثقافة، ومن المثقفين خارج وزراة الثقافة، كذلك خططنا لاقامة مهرجان مماثل في بيروت، وهذه الامور تبقى ضمن صلاحيات الوزير الجديد، والسياسة الثقافية التي سيضعها للوزارة.

- استاذ نوري، هل من نصيحة أو كلمة توجهونها لوزير الثقافة الجديد؟

الوزير: لقد اقمت له حفلة استقبال، وقام هو باقامة حفلة توديع، لذا قدمنا نحن الاثنين للعالم مثالا بان العراق بخير، وان تداول السلطة فيه اصبح سلميا، وبحب ورغبة.
لقد قدمت للوزير الجديد نصيحة، وقلت: اتمنى عليك يااخي العزيز ان تعتمد سياسة الوزارة التي اعتمدناها، وهي سياسة عراقية عربية، إسلامية، بعيدة عن التطرف، تؤمن بالحوار وقبول الرأي الاخر، ثقافة بعيدة عن الطائفية، وبعيدة عن العرقية، لا تفرق بين احد واخر مهما كان، فرأيته قد تقبل هذا الرأي، واؤكد عليه ان يلتزم بان تكون الثقافة للعراقيين جميعا، لا لحزب او كتلة، او جهة، بل لجميع العراقيين، واوصيه بدعم كل انواع الثقافة.

- استاذ نوري، كيف كان دعم وزارة الثقافة للمنظمات المعنية بالثقافة، فهناك من يقول معالي الوزير: ان بعض هذه المؤسسات تسهم في قتل الثقافة العراقية الحقيقية؟

الوزير: لقد انشأنا داخل الوزارة، وفي مديرية العلاقات الثقافية دائرة اسميناها دائرة (منظمات المجتمع المدني)، وهذه الدائرة تتعامل مع المنظمات التي لها علاقة بالامور الثقافية، وتعمل على تقديم المساعدة الممكنة لها.
دائرة منظمات المجتمع المدني تقدم خدمات للمنظمات التي تسجل في وزارة الثقافة، حيث تقدم خدمات كتهيئة القاعات، وتنظيم المهرجانات، ودفع بعض المبالغ النقدية، لذا كنا نتعاون مع هذه المنظمات بشكل جيد، واعتقد ان موقفهم من الثقافة العراقية جيد، فهم يدعمونها، ويحاولون تطويرها، ولم نواجه مشاكل من جراء ذلك، لكن بلا شك توجد بعض الجهات المتطرفة في آرائها، نحن في الوزارة لم نتعامل معها، وانما اقتصر تعاملنا على المنظمات التي تسهم في تطوير الثقافة العراقية الحقيقية.

- معالي الوزير، ما هو انطباعكم عن الاجتماعين الأول والاخير اللذين عقدهما مجلس الوزراء، في الحكومة الانتقالية؟

الوزير: الحكومة الانتقالية، ربما هي الحكومة الوحيدة التي تجتمع كل اسبوع، وبعض الاحيان تعقد اجتماعين في الأسبوع.
الاجتماع الاول لمجلس الوزراء كان في بيت الدكتور الجعفري وكان مخصصا للتعارف، اما الاجتماع الأخير فكان للتذاكر، والحديث عن انجازات الحكومة، والسادة الوزراء.
كان كل واحد من السادة الوزراء يعبر عن رايه، ولكنك كنت تشعر ان الوزراء كانهم وزير واحد، لقد كان الكل منسجمين، وحين تطرح موضوعات للنقاش كنا نختلف حولها في الرأي، ولكن اختلافنا كان للمصلحة العامة لا الخاصة، لقد كنا نتناقش الى ان نصل الى نتيجة تخدم المصلحة العامة.
الحكومة الانتقالية كانت منسجمة، واتمنى للحكومات القادمة ان تنسجم كما كانت الحكومة الانتقالية، لان حكومة الجعفري كان همها المصلحة العامة، وكنا نسميها (الوزارة القانونية)، لانها لم تفترق عن القانون مطلقا، فقد كان المشاور القانوني موجودا، ولايمكن ان يتخذ اي قرار الا إذا كان مطابقا للقانون.

- استاذ الراوي، ما مدى اهتمام الدكتور الجعفري بالثقافة؟

الوزير: انا اشعر أن الجعفري رجل الثقافة الاول في العراق، فهو ملم بكل المسائل، فاذا تحدثت في الطب فهو طبيب، وفي علوم التاريخ فهو عالم، وفي العلوم الاسلامية هو عالم، في علم الفلسفة هو فيلسوف.
الجعفري رجل مثقف من كافة النواحي، وهو محب للثقافة، فهو يقول: ان الثقافة هي العمود الفقري للبلد، وليس السلاح، وطلب مني عقد المؤتمر الثقافي الاول، والذي من المفروض ان يعقد (هذا الشهر)، هذا المؤتمر من المقرر ان يحضره اكثر من الف شخص من اجل تدارس موضوعات ثقافة العراق، ووحدة العراق، ومشاكل العراق، لان المثقف يختلف عن غيره، ويجب ان لا ينزلق في المنزلقات الطائفية كما يفعل غير المثقف.
الأخ رئيس الوزراء (الدكتور الجعفري)، دعم وزارة الثقافة، وهذه الوزارة ليس مثلما يصرح البعض بانها من الوزارات غير المهمة! بل على العكس كان الدكتور الجعفري يعتبرها مهمة، لانها تؤثر في عقول الناس، وعلى ثقافاتهم.

- ماهي اهم انجازات الحكومة الانتقالية برأيكم، معالي الوزير؟

الوزير: لقد تسلمت الحكومة الانتقالية الميزانية خاوية، ولكنها سلمت السلطة والخزينة فيها 14 مليار دولار موجودة في البنك المركزي العراقي، وحتى البنك الدولي بدأ يتعامل مع العراق، لانه يمتلك احتياطيا نقديا.
مع بداية استلام الحكومة الانتقالية السلطة، تسلمنا شكاوى حول ان الحصة التموينية لم توزع منذ 5 اشهر، لكننا سلمنا السلطة والمخازن تحتوي على خزين غذائي لخمسة اشهر، رغم ان الوضع الامني لم يساعد على توزيع مواد الحصة التموينية بالصورة الصحيحة.
الحكومة الانتقالية لم تخرق القانون، وانجازات هذه الحكومة كثيرة، لكن الوضع الامني كان يغطي عليها، فقد كنا نحاول تحسين تجهيز المواطنين بالكهرباء، لكن المخربين كانوا يستهدفونها، ويقطعون خطوط الحمل، وكانوا يستهدفون كذلك خطوط النفط، لقد حاول الارهابيون ان يؤثروا على سير عمل الحكومة الانتقالية، لكنها كانت تعمل ليلا ونهارا من اجل معالجة كل المشاكل والازمات.
معالي الوزير، كيف تنظرون الى انجاز كتابة الدستور؟

الوزير: انا كنت عضوا في لجنة دعم كتابة الدستور الوزارية، ولنا فيها دور كبير، وكانت من مهام الحكومة الانتقالية ثلاث عمليات انتخابية، نجحت الحكومة في انجازها، لقد كان البعض يراهن على الامن لافشال العملية الانتخابية، لكن الحكومة الانتقالية نجحت في السيطرة على الوضع الامني، حيث جرت الانتخابات وتم اجراء الاستفتاء على الدستور.
هناك انجازات كثيرة اخرى للحكومة الانتقالية، اتوقع ان تظهر نتائجها على الحكومة الجديدة (حكومة الاستاذ المالكي)، بسبب وجود مشاريع بعيدة، ومتوسطة المدى وضعتها لغرض تنفيذها، لقد كان هم الحكومة الانتقالية الشعب العراقي، ومصلحة هذا الشعب.

- ما اهم المعوقات التي واجهت الحكومة الانتقالية، معالي الوزير؟

الوزير: اهم المعوقات هو الوضع الامني، اضافة الى ظهور متطرفين في الشارع العراقي، حاولوا الاساءة الى الحكومة الانتقالية، وهم حاليا داخل العملية السياسية، واتمنى ان يصلحوا الامور التي كانوا ينتقدون الحكومة عليها.

-استاذ نوري، هناك احداث خطيرة مرت في فترة الحكومة الانتقالية كاحداث سامراء، وتلعفر، كيف تعاملت الحكومة معها؟

الوزير: بعد احداث سامراء تمت دعوتنا من قبل السيد رئيس الوزراء (الدكتور الجعفري)، الى اجتماع طارئ لمناقشة ما حصل، وتم انزال قوات مسلحة الى الشارع للسيطرة عليه، لكن كان هناك عمليات تخريب، وكان هناك محاولات لإيقاف هذا التخريب، فالمخرب يختار وقتا ما ومكانا ما لينفذ خطته التخريبية.
لقد كانت احداث سامراء فتنة كبيرة، لكن و- لله الحمد- تجاوزناها، وحكمة الدكتور الجعفري كانت كفيلة بمعالجة الموضوع، وقد كان دور وزير الدفاع قويا في حل هذه الفتنة، وكلنا تعاونا معهم من اجل تجاوز المحنة، فقد اقامت وزارة الثقافة مهرجانا كبيرا حضره علماء الدين، طالبنا فيه ان يبتعد الجميع عن الفرقة التي يحبها الاجنبي للعراقيين.

- معالي الوزير، يؤكد البعض ان العراق بحاجة الى حكومة تكنوقراط، هل تعتقد ان ذلك ممكن في هذه المرحلة؟

الوزير: كنت أتمنى أن تشكل حكومة تكنوقراط في العراق، وان لا يتدخل الاستحقاق الانتخابي في تشكيل الحكومة، لقد اوصل الاستحقاق الانتخابي من فازوا الى مجلس النواب حيث ستسن القوانين، والان هناك 55 قانونا سيتم سنها.
لقد كنت اتمنى على من فازوا في الانتخابات ان يجلسوا في مجلس النواب، وان يسمحوا لرئيس الوزراء بأن يختار حكومته من الشخصيات التكنوقراط المشهود لها بالنزاهة، والانتماء الى العراق.

- معالي الوزير، هل تعتقد بوجود شخصيات تكنوقراط مهنية مائة في المائة، دون ميل، او اتجاه سياسي معين؟

الوزير: نحن لسنا ضد الميل السياسي، أو الفكري لان هذا جزء من حرية الانسان، لكننا لسنا مع ان يحتكر الوزير وزارته لحزبه، او طائفته، او قوميته، نحن نتمنى ان يكون الوزير عراقيا يؤمن بالعراق، وان يكون العراقيون متساوين امامه، سواء أ كانوا من الموصل، أم من البصرة.
لكن ما حصل ان اختيار الوزراء (سيتم) حسب الاستحقاق الانتخابي، هذا الحزب كم سيأخذ، والحزب الاخر كم سيأخذ، وها قد (مرت اربعة الى خمسة اشهر ولم تشكل الحكومة بعد)، لقد كنت اتمنى ان يعطوا المجال لرئيس الوزراء لان يختار حكومته، ومن خلالها يمكن ان يحقق طموحات العراق والعراقيين.

- استاذ الراوي، كيف كان تفاعل الشعب مع الحكومة الانتقالية؟

الوزير: لقد كان الشعب راضيا عنها، لكن من يحاول ان يخرب، والله (سبحانه وتعالى) يقول:
 " واكثرهم للحق كارهون".
كان هناك من يصف الحكومة بغير الجيدة، وذلك بسبب تضاربها مع مصالحه الشخصية، لكنه لو كان يفكر بالمصلحة العامة لاختلف رأيه.

- معالي الوزير، الى أي مدى دعمتم المثقف العراقي، وما هي نظرتكم لمستقبل الثقافة في العراق؟

الوزير: الواقع الثقافي في العراق جيد جدا، بدليل ان هناك اكثر من مائة صحيفة تصدر اليوم يوجد في كل منها على الاقل صفحة ثقافية كاملة، اليوم تشعر بوجود حرية ثقافية، حيث يتكلم المثقف، ويتصرف كما يريد.
لقد كنا ندعم الشرائح الثقافية كافة بدون تمييز، وشكلنا لجنة لطبع مؤلفات الكتاب، حيث كنا ندعم بعض الكتاب بنسبة50%، وقسم من هذا الدعم يصل الى 100%، وطلبنا من وزارتي التربية، والتعليم العالي اعادة فتح المكتبات في مؤسساتهما التربوية، والايعاز بشراء كتب المؤلفين العراقيين، لغرض معاونة المثقفين.
في وزارة الثقافة، اعطينا المجال لتشكيل هيئة ثقافية استشارية، تتالف من 25 عضوا من أعلام المثقفين في العراق، وكانت هذه الهيئة تعقد اجتماعات نصف شهرية حيث تتداول شؤون الثقافة، لغرض الخروج باستشارات، ولم تقدم هذه الهيئة طلبا او استشارة إلا وتم الاخذ به من قبلنا، لاننا كنا نعطي للمثقفين كامل المجال لابداء ارائهم.

- كيف بدأت علاقتكم بالسيد الجعفري، معالي الوزير، وكيف تقيمون هذه العلاقة؟

الوزير: بدات علاقتي مع الدكتور الجعفري مع تشكيل الحكومة، وكما يقول احد علماء الدين من مدينة السماوة: من يأتي الى السماوة كالطفل، فعندما يخرج الطفل من بطن امه، من هذا المكان الضيق الى المكان الواسع يبكي، وعندما يذهب الى القبر يبكي ايضا.
الجعفري عندما تعرفت عليه احببته، فهو ذلك الرجل العربي، المسلم، الأصيل، العراقي المحب لعراقيته، وعندما انتهت فترة الحكومة الانتقالية احببناه اكثر، نحن نتمنى ان يستمر، وان لا يخرج من الساحة السياسية العراقية.
نحن نتمنى على السيد الجعفري ان يبقى قائدا سياسيا، وليس شرطا ان يكون في الوظيفة، فقد تعلمنا منه الكثير، لقد تعلمنا منه (طول البال) في طرح الموضوعات، وكذلك تعلمنا كيف نعامل كل انسان بما يرغب، و لم أر له مثلا في حياتي، فلم اره في يوم من الايام (متنرفزا) او عصبيا، لانه كان يحل المشاكل بكل بساطة، ومن يدخل عليه يخرج من عنده راضيا، فالجعفري (تحفة) من تحف العراقيين.

- كيف كانت نظرتكم للدكتور الجعفري قبل تسنمه رئاسة الوزراء، استاذ الراوي؟

الوزير: انا لم اكن اعرفه، لكني كنت اتصوره شخصا طائفيا، ولكن عندما اختلطت به رأيته بعيدا كل البعد عن الطائفية، وعكس ما كان يطرح من قبل بعض المتطرفين في الشارع العراقي عنه.

- معالي الوزير، كيف كان الدكتور الجعفري يتعامل مع وزراء الكتل التي اختلفت معه؟

الوزير: داخل مجلس الوزراء، كنا نعامل كعراقيين، حيث لا تمييز بين كردي وعربي، أو ان هذا من اهل البصرة، او من اهل الموصل، انا لا انطق بالكلمات الطائفية، لاني لا اؤمن بها، لاننا عراقيون جميعا، لقد كان الجعفري يتعامل مع الجميع بدون تمييز، حيث لم يفرق بين احد منا.

- ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الدكتور الجعفري، معالي الوزير، في مرحلة ما بعد رئاسة الوزراء؟

الوزير: نحن نتمنى على السيد الجعفري ان يكون كاتبا سياسيا، وقائدا سياسيا، ومثقفا سياسيا، واتمنى كذلك ان يركز على الثقافة، لانه يمتلك أفكارا منتجة.
انا اتمنى ان لا يخرج الدكتور الجعفري من الساحة السياسية، وان يستمر في تقديم النصائح الى الحكومات اللاحقة، فهو حاليا عضو في مجلس النواب، وبامكانه ان يطرح آراءه، وهناك قوانين كثيرة بحاجة الى ان تسن، انا اتمنى عليه ان يكون له دور في سنها.

- استاذ نوري، هل لكم ان تبينوا اسباب اختلاف الكتل حول تشكيل الحكومة الحالية (حكومة الاستاذ المالكي)؟

الوزير: انا اتمنى ان يعطوا 50% في تشكيل الحكومة للاستحقاق الانتخابي، و50% لرئيس الوزراء، من اجل ان يتم اختيار وزراء حياديين ومستقلين، حتى لو كانوا يحملون أفكار سياسية، لكنهم من اختيار رئيس الوزراء.
لكن رئيس الوزراء لم يعط المجال لذلك، ولم يشترك وزير واحد من خارج الاحزاب، حيث التقسيم الحزبي طاغ في تشكيل هذه الحكومة (حكومة الاستاذ المالكي) والحكومات السابقة، لأنهم، أي: الاحزاب، لا يمثلون الشارع العراقي 100%، ولا يستطيع احد ان يقول ذلك.

- معالي الوزير، ما هي قراءتك للحكومة الجديدة (حكومة الاستاذ المالكي)؟

الوزير: (الحكومة الجديدة مازالت جديدة)، لكننا نتمنى لها كل الموفقية، انا أتوقع للاخ (نوري المالكي) النجاح، لانه رجل متمكن، وعراقي اصيل، لذلك أتمنى ان يوفق في السيطرة على الوضعين الأمني، والاقتصادي.
نتمنى كذلك على السيد نوري المالكي القضاء على الفساد الاداري، والمالي والذي استطاعت حكومة الجعفري ان تقوض اكثر من 80% من اركان الفساد المالي، لكن فساد عمره 35 سنة لا يمكن القضاء عليه في سنة واحدة، وأتمنى لحكومة الاستاذ المالكي كذلك كل الموفقية من اجل اعادة خدمات الكهرباء، والماء، وتبليط الشوارع، من اجل النهوض بالواقع الحالي للشعب العراقي.

- معالي الوزير، ساذكر بعض الكلمات والتي اتمنى - لو سمحتم- الاجابة عليها بكلمة واحدة.
- راوة.

الوزير: مدينة أحلامي.

- الشعب العراقي.

الوزير: كلنا له.

- العراق.

الوزير: يهتز كياني اذا ذكر.

- الجعفري.

الوزير: اخ عزيز.

- الثقافة العراقية.

الوزير: العمود الفقري للعراق.

في نهاية حوارنا هذا، نتقدم بالشكر الجزيل الى الاستاذ نوري الراوي وزير الثقافة في الحكومة الانتقالية، حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري لسعة الصدر والاستضافة، متمنين له الموفقية في حياته القادمة.

الوزير: شكرا لكم، واهلا وسهلا بكم.