مقدمة:
قد لا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان النشاط الانساني الفكري بكل ما يحمل من تفاصيل تـُختـَصرفي لفـظةِ (الثقافة) و لكن يتعذرعلينا ان نختصر مفهوم (الثقافة) عينه ، وإن الإنسان يمكن أنْ يقترب منه و لكن من المستحيل أن يطاله، فذلك أشبه بمحاولة مسك الهواء، و مع كل هذا لا بأس من شرف المحاولة في أنْ نكون مثقفين و هذه الحقيقة يقررها القرآن الكريم حيث يقول جـَل ّ و عـز ّ(( و فوق كل ذي علم عليم)).
فبين ذي العلم ِ و العـِلمْ مسافة شاسعة على الانسان أنْ يسير بها و يحدث نفسه بأن يقطعها بكل ما أوتي من شهيق وزفير ليصل الى (أناته المدركةً) و يحقق (الفوقية الدُنيا) على أقل تقدير.
و تجدر الإشارة الى ان مفهوم "الحضارة" يتداخل مع مصطلحات اخرى في معظم اللغات العالمية ففي اللغات الاوربية يـُستخدم لفظان للدلالة على معنى الحضارة هما(culture)و(civilization)ويبدو انهما قد مـَرتا بتطورات متشعبة في المفهوم لسنا بصددها هنا.
بيد إننا لابد من أن نحدد المفهوم الذي يدور في نطاقه حديثنا الآن ، فالثـقافـــة (culture) مأخوذة من اللاتينية ، ودلالتها في العصور القديمة و الوسطى مقصورة على معنى ً مادي هو " تنمية " الأرض و محصولاتها, وتطورت في العصور الحديثة لتشمـُل مدلولين مادي و عقلي, كما تطورت مرة اخرى في القرن الثامن عشر، فأصبحت تدل على تنمية العقل و الذوق, ثم الى حصيلة هذه العملية أي المكاسب العقلية و الادبية و الذوقية التي نعبر عنها بلغتـنا بلفظ" الثقافة" و"المدنية" أحيانا ً, و لايزال هذا المعنى هو السائد في اللغات الغربية , و مفهوم " الحضارة" لدينا هو المعنى الواسع و الحقيقي الذي يتناول حياة الانسان بأجمعها ليس بمظاهره الخارجية حسْب ، بل ، كذلك و بالدرجة الأولى نـُظـُم تلك الحياة و برامجها الروحية و العقلية لتطوير تلك الحياة و إعلائها باستمرار طـِبقَ المبادئ و القَِيـَم الإنسانية ، الثوابت فيها و المتغيرات.
وهذه هي خصائص حضارتنا و ثـقافـتـنا التي سنتطرق الى بعض جوانبها في ما يـَرِدُ من حديث...
يـُقال دائما ً: إسأل المجرب و لا تسأل الحكيم ، فما بالـُك إذا و أنت تسأل الحكيم و المُجرب في الوقت ِ عينـِه، ما يأتي هو غيض ٌ من فيض ِ معرفةٍ واسعة ، بينَ يديك ، يـُقدمها ذلك الحكيم و المـُجرب ألا و هو الدكتور ابراهيم الجعفري.
بسم الله الرحــمن الرحـيم
((كما أرسَلنا فيكـُم رَسولا ً منكم يـَتلوا عليكـُم آياتـِنا ويـُزكيكـُم ويُعلِمَكـُم الكتابَ والحِكمَة َ ويـُعلِمَكـُم ما لـَمْ تكونوا تـَعلمون))1
لمـّا كان هذا الحديث مع الشباب هو أول الاحاديث، فقد كان من الطبيعي أنْ نتناول في هذا البحث (المحاضرة) مبررات التأكيد على الثقافة عامة، والثقافة الإسلامية خاصة، حتى يتم التعامل مع ما يُطرح فيها من أفكار و معارف على هذا الأساس .
قبل الحديث عن أهمية الثقافة؛ لا بُدَّ أنْ نحدد معنى الثقافة؟
في اللغة: (ثَََـقِـفَ الشيءَ ثقـفا ً. حَذَقـَهُ. ورجلٌ ثَـقـَفٌ وثَقِفٌ.. :حاذقٌ فَهِم.. وثقف الشيء سرعة التعلم.. وثـقـُفَ الرجل ثقافة ً أي صار حاذقا ً خفيفا ً.. ومنه المثاقفة.. . غلام لقِنٌ ثقِـفٌ أي ذو فطنة وذكاء، المراد منه أنه ثابت المعرفة بما يحتاج اليه)2
في الاصطلاح: (هي مجموعة العلوم، والفنون، والمعارف النظرية، التي تؤلف الفكر الشامل للإنسان؛ فتكسبه أسباب الرُقيّ والتقدم والوعي)3
الثقافة الاسلامية في الاصطلاح هي
مجموعة المعارف، والتصورات، والعلوم النظرية التي تدور في فـلك الإسلام لتنبثق عنها فكرة شاملة عن الكون، والإنسان، والحياة، والتي تؤثر في الفرد والمجتمع فتضفي عليهما طابعاً شخصياً )4
(الثقافة الإسلامية على أساس إنها المفاهيم الصحيحة عن الله، والكون، والإنسان، والحياة.. . عن الله كخالق، وشارع للاحكام، والحدود، والأخلاق، وعن الكون كـَمُسـَّخـَر للانتفاع الانساني، وعن الإنسان كـَمـُستـَخلـَف ْ في الارض لاستعمار الكون، ومسؤول عن تصرفاته الحسنة والسيئة، وعن الحياة كمجال للعمل الإنساني على أسس اسلامية)5.
وها نحن الآن نتعرض لأهمية الثقافة للشباب:-
1- ثقافة التأسيس على المُسلـَّمات المُبرهَنة
لا يخفى على أحد أن شخصية الشاب تمتلك من المرونة، ما يجعلها مؤهـَلة لتقبل ما تحتاجه من المفاهيم، دون أيّ صعوبة كتلك التي تحصل في عمر الكهولة، وتتفاقم في الشيخوخة. كما أنَّ خلوَّ الذهن من أفكار ناضجة ومترسخة، لدى الشباب، هو الآخر يساعد في عملية التثقيف والتعاطي الثقافي.
إن اللانضوج الذهني لدى الشاب لا يعني بحال نقصاً تكوينياً في شخصيته، وهو في مرحلته المبكرة، خصوصاً وهو يحمل استفهامات كبيرة حول كل ما يدور حوله من أمور، وفي شتـّى مناحي الحياة؛ في العقيدة، وفي الاخلاق، وفي السياسة، وفي الاجتماع.. .. وهو ليس عاجزاً في البحث عن الاجوبة، و عمّا يدور برأسه من تساؤلات، ولا مستسلماً لأيّ جواب، حتى و إن جانبَ الحقيقة وابتعد عن الدليل والبرهان، ولا مُكابراً عمّا يستجد من دواعي المراجعة فيما يحمل من افكار، وما يمارِس من سلوك.
التربية هي الهدف الأساس من الثقافة؛ لذلك نجد القرآن الكريم يقدمها على التعليم ((ويـُزكيكم ويـُعلمكم)) على الرغم من أنَّ التعليم مقـدَّم على التربية، من حيث التسلسل بالتأثير، والوقوف على مفاهيم العقيدة، ومعاني الفضيلة والخـُلـُق، والتعرف على احكام الشريعة الاسلامية ، غير ان التربية هي الهدف وهي القيمة الحقيقية، التي يستهدفها العلم والثقافة.
إنَّ (ثقافة التأسيس) بالغة الاهمية؛ لأنها القاعدة التي تـُشاد عليها الكثير من التصورات، والمفاهيم اللاحقة في الاخذ؛ كما أنها تمتزج بشكل شعوري ولاشعوري في عواطفه، واذا ما تعمّقت فيه واخذت طريقها الى وعاء مشاعره، يصبح من الصعب عليه أنْ يتجرد عنها، من دون دليل قوي ومعاناة بالغة؛ إنَّ موعد التثقيف في مجال العقيدة خاصة، لا يمكن ارجاؤه عن فترة المراهقة بالذات، لأنه يأتي على موعد مع التساؤلات الكبيرة، والحادة، التي تتولد من تكامله الذهني في هذه المرحلة، حين يكون طابع المراهق في التلقي على أساس (التلقي بالاقتناع)، بدل (التلقي بالتلقين)، الذي كان عليه في مرحلة الطفولة.
من هنا لم يكن من السهل تقديم أيّ فكرة للمراهق على أساس انها صحيحة، لأنها(مسلـّمة شخصية) كالإنسان إبن بيئته!. أو(مسلـّمة عائلية) كالمحاباة بين الجنسين!. أو "مسلـّمة عرفية" كحشر مع الناس عيد، او حتى "مسلـّمة علمية!" كمدعى "فرويد" 6 في تفسير السلوك الإنساني على أساس الغريزة الجنسية! ونظرية "داروين" 7، ومدعى "رينان" 8، في أفضلية الجنس الاوروبي على باقي الاجناس: "جنس واحد يلد السادة والابطال هو الجنس الاوربي، فإذا ما نزلت بهذا الجنس إلى مستوى الحظائر التي يعمل فيها الزنوج والصينيون فإنه يثور؛ فكل ثائر في بلادنا هو بطل لم يتح له ما خلق له، هو انسان ينشر حياة البطولة فإذا هو مكلف بأعمال لا تتفق وخصائص جنسه، إنَّ الحياة التي يتمرد عليها عمالنا يسعد بها صيني أو فلاّح او كائن لم يخلق لحياتنا9.
الشاب يريد أنْ يدشّن عقله بكل ما يعتبره العقل، والعقل وحده، ويقيم له وزنا، انه مسلـّمة عقلية؛ فهو غير مستعد أنْ يجعل عقله عقل انعكاس "المُسلـَّمات غير المبرهنة"، بل يريده كما أراده لهُ الله (تعالى)عقل "المـُسلـّمات المبرهـنة"، عملا بالقرآن الكريم ((.. قل هاتوا برهانكم إنْ كنتم صادقين))10.
2- غياب أو ندرة (الانموذج الاسلامي)
وهذا مانلاحظه في شتـّى المجالات الاجتماعية، بسبب ما اعترى الاوساط الإسلامية من عادات وتقاليد وأفكار، لا تمُتْ الى الاسلام بـِصِلة، و(هذه ليست جديدة)، فقد اقترنت هذه الظاهرة مع المسيرة الإسلامية، منذ عصر الفتوحات، ومثلما امتدت الدولة بهيمنتها على بعض البلدان، امتدَّ الفكر المضاد من تلك البلدان الى المسلمين، ليشكل تحدياً لما يعتقدون، مما استدعى ولادة علم يتكفل الدفاع عن العقيدة، ويجيب عن كل ما يـُثار حولها من شبهات، فكان (علم الكلام)
وها هي ساحة الأمة تشهد ابتعاداً عن المفاهيم العقيدية الحقة، والقيم الدينية؛ مما جعلها تتخبط في دياجير الجهالة، وترزح تحت نير( الاستعمار)؛ فتمزقت اوصالها، وصودرت خيراتها، ولم يكن امامها خيار غير خيار الإسلام، الذي يمثل سرّ قوتها .
بمثل هذا الجو الاجتماعي، ينفتح جيل الشباب على واقع المسلمين الممزق، ليرى الكثير من العادات والتقاليد، مما لا يـَمُتُّ الى الإسلام بـِصِلة، كما ينفتح على "فكر التكفير"! الذي يحكم على كل من يحمل وجهة نظر مخالفة! ينفتحون على أمة تلتقي على رسول الله (ص) العاطفة والتراث والعبادة، وتختلف عليه فكراً وسيرة.
أمةٌ تسمح لنفسها أنْ تعيش الاقتتال بين ابنائها، والخنوع مع الاعداء! امة تهجر العلم، الذي جعله الله مقياسا للتفاضل((.. . قـُل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون.. ..)) 11.
الامة اليوم تعيش في بعض جوانبها على "تخريف العقل"! حين ترضى لنفسها أنْ تتخلى عن الإسلام المعرفة والعلم والقيم، ويفتك بها كل ما لم يـُنـَزل الله به من سلطان .
فمن أين جاءت النعرات القومية، والقبلية، والطائفية، ومتى سادت قيم الجاهلية، بدلاً عن القيم الحقة! بمثل هذه الاجواء ينشأ اليوم جيل من الشباب، يفتقر فيه الى الانموذج الصالح، الذي يصلح للاقتداء، ويحتل موقع التوجيه والريادة؛ هذا يجعل الشباب امام مسؤولية تقصي الانموذح الصالح ممن يطبق الشريعة الصحيحة وليس فقط من يتحدث بها،من المربين فقهاء او مفكرين وكل واحد من هؤلاء لا يمثل الرسالة بمستوى الكمال فذاك هو المعصوم والمعصوم وحده.
3- الجواب على (إثارات اوساط الغرب)
إنَّ طبيعة معظم الاوساط الغربية مشبعة بالاتهامات ضد الديانات عامة، والاسلام خاصة، باعتبارها اوساط علمانية ناهضت المؤسسات الدينية (الكنيسة) منذ زمن بعيد، وهدمت كل الجسور الممتدة بين العـِلم و الإيمان؛ فقد ودّعته من حين استعرت المعركة بين الكنيسة، -وبإسم الدين- والعلم وما اودت تلك الحرب الظالمة بحياة خيرة العلماء من المخترعين والمكتشفين).
إنَّ رجال الكنيسة هم الذين أمروا بضرب "برينللي" بالعِصيّ لانه قال إنَّ النجوم لا تقع، وهم الذين أخضعوا "كامبانيلا" للاستجواب لتأكيده على لانهائية العوالم وتلميحه لسر الخلق، كما أنهم هم الذين اضطهدوا "هارفي" 12 لبرهنته على أنَّ الدم يجري في الجسم؛ وباسم المسيح قـُبضَ على "غاليلو" 13، وباسم القديس "بولس" سـُجـِنَ (كريستوف كولومبس)(14 -15)فاكتشاف قانون السماء كان كفراً واكتشاف العالم كان هرطقة16 ؛ والكنيسة هي التي ألقت الجـُرم على "باسكال" 17 باسم الدين، وعلى "مونتين" 18 باسم الاخلاق، وعلى "موليير" 19 باسم الأخلاق والدين" 20، "وبلغت المشكلة ذروتها عام 1864 م عندما اعلن البابا (Syllabus) قراره بعدم مهادنة اي تطور علمي أو حضاري، جاء في الرسالة: الجـُرم على كل الذين يقولون ان الحَبْر الاعظم (البابا) الروماني بإمكانه، وعليه أنْ يتصالح ويتفاهم مع التطور، والحرية، والحضارة الحديثة21.
مثل هذه المجتمعات، التي استمدت نظرتها على خلفية سيئة عن الدين، بمثل هذه الخلفية؛ وانتهت الى قرار الفصل النكد بين الدين والحياة، لا يتوقع لها أنْ تنظر للدين، والمتدين اكثر مما هو انسان غير واقعي، لا يصلح لإعمار الحياة من كل جوانبها الاجتماعية؛ غير أنَّ عالم الغرب رغم نظرته القاتمة للدين، يزخر بثروة علمية على الصعيد الاكاديمي، وتطور مشهود من الانظمة الحياتية المختلفة، على الصعيد الثاني، واليات لإحترام حق المواطن على الصعيد الثالث.
فالشاب القاطن بمثل هذه الاوساط الاجتماعية لا بُدَّ ان يعي هاتين الحقيقتين، حقيقة النظرة للدين وحقيقة النظرة اليه على هذه الخلفية، ولذلك يكون بحاجة الى ثقافة اسلامية اصيلة لبناء حياته من جانب، وثقافة موضوعية عن الوسط الذي يتحرك فيه، حتى يعرف من موقع الوعي، ماهو"المقبول" وماهو "المرفوض" من هذه الاوساط ، ليتسنى له من موقع الوعي رفض ما ينبغي رفضه، وقبول ما ينبغي قبوله، في اجواء عاطفية يتطرف فيها الكثير من القاطنين بحيث يقبل بعضهم بما ينبغي رفضه من سوء العادات وقبيح التصرفات، او يرفض ما ينبغي قبوله، من آليّات التنظيم واحترام الزمن واعتماد مبدأ التخصص بالاعمال...
4 - بناء الواقع الاسلامي
لا ينبغي ان يقتصر الحديث مع الشاب على أساس بناء شخصيته وحسب، أو التوسع الى أفراد أسرته ليس إلا، على ما لهذا الهدف من أهمية بالغة، دون أن يضطلع بدور المساهم الاساس ببناء التجمع الاسلامي، الذي يمثل الانموذج المتحضر، والوسط الصالح للتعاطي مع كل الافراد، ان الاسلام دين عملي، يستهدف بناء واقع المسلمين من كل الجوانب، ولا يمكن ان تتأتى مثل هذه الاهداف من دون ان تتظافر جهود الشباب كلها.
إنَّ واقعية الاسلام تتمثل بتجسيد احكامه من زاوية اجتماعية في الكثير من الجوانب؛ كنظرية الاسلام في الزواج، والحجاب، وإحياء الشعائر، وممارسة بعض العبادات ذات الطابع العام...
فما لم يضع الشاب نصب عينيه مهمة صناعة مثل هذا الواقع؛ سينعكس سلباً على الكثير من الآباء وأبنائَـَهم، ويسيء الى سمعة الإسلام، ويجعل الإسلام في ضمير كل انسان مجرد فكرة، وعاطفة، مما يعطـِّل طاقته الحركية في بناء الحياة، وتصبح المقارنة بين ما يحمه ويتعامل مع الواقع غير الإسلامي، في حالة غير متكافئة؛ يعيش فيها اسلاماً غير واقعي، في واقع غير اسلامي،لا ينكر أحد شعور البنت المحجبة في وسط المدرسة، وهي تسبح في بحر اجتماعي يتعاطى السفور، ولا تجد في الحجاب الاّ أنها فكرة آمنت بها، وتفاعلت من عمق احاسيسها معها، وراعت فكر واحاسيس أهلها، غير ان هذا كله لا يضفي على مفهوم الحجاب بعداً واقعياً، ما لم ترى البنت بعض اخواتها يتعاطين الحجاب ذاته، وإنْء لم يكن من حيث الكم، عددهن قد بلغ ما يبلغه الوسط الآخر، فهن لا يصلن في بلد المهجر، مثلاً مستوى المجتمع الملتزم، ولكن يمكن أنْ يحققن مستوى التجمع الملتزم.
عندها تكون المقارنة بين واقعين: واقع اسلامي، وواقع غير اسلامي؛ مما يمنح الملتزم زخما من الثقة لا يتأتى له من موقع الانفراد؛ وهنا ومن اجل تحقيق هدف كهذا، لا بُدَّ للشاب من ثقافة تؤهـّله للنهوض بمثل هذا الدور؛ ولا شك بأنَّ الشاب يمتلك مثل هذه القدرة؛ فقد قال رسول الله (ص): "لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة، فحالفني الشباب، وخالفني الشيوخ"؛ وعن الامام الصادق (ع) للأحول: "أتيت البصرة؟ قال: نعم، قال (ع): كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الامر و دخولهم فيه؟ فقال: والله انهم لقليل، ولقد فعلوا ذلك وإن ذلك لقليل، فقال: عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير 22.
وقد فرضت هذه الحقيقة؛ حقيقة دور الشباب في التلاحم مع الاسلام وحمل لوائه، على التاريخ الاسلامي بحيث انعكس ذلك على الكتـّاب والمؤرخين فقد جاء في كتاب "محمد في مكة" لـ"مونتغومري وات"23 وهو يقول: (لقد انتمى الى الاسلام شباب، ينحدرون من افضل العائلات، وأشهر القبائل، وإنَّ أهم فكرة نستخرجها من تاريخ المسلمين الأول، هو إنَّ الاسلام كان في الاساس حركة شباب)24.
5 - مهمةحماية الاسلام
انّ ما يتعرض اليه الاسلام، على مستوى العقيدة، والنظرية، والمشاعر، والمقدس، يستدعي من الشاب ان يتزود بأعلىثقافة اسلامية، يجدر بها ان تقاوم التحديات الفكرية، وتنهض بمهمة تجلية الوجه المشرق للاسلام، رغم كل محاولات التشويه التي تساهم فيها الحملات المضادة للاسلام، ويروِّج لها بعض الجهّال، والمندسين، والمتحللين من ابناء الأُمة.
وحيث إنّ مثل هذه الدعوات المضادة تتلبس بلباس العلم، والفن، والحوار الموضوعي، فإنّ رداً على هذا المستوى من الهجوم لا بـُدَّ أنْ يكون من موقع ثقافة الاحاطة بكل ما يثار بوجه الاسلام، من تساؤلات، ويعتمد مبدأ الرد بالحجة، والبرهان: ((قل هاتوا برهانكم إنْ كنتم صادقين)). ولا يعاني الإسلام من ازمة في أي شأن من شؤون الحياة، أو الرد على شبهة تثار حوله، إنما المشكلة تكمن في افتقار ابناء المسلمين للإلمام بالفكر الاسلامي، وما فيه من نتاج زاخر يغطي كل مجالات الحياة.
إنَّ محاولات تشويه الصورة الإنسانية للإسلام للحيلولة دون جعله الطرف الاكفأ لحل المعضل البشري، وحلول الشقاء في شتى مناحي الحياة، وهو ما يجعل الشاب المسلم الذي يعيش أجواء غير إسلامية أمام مهمة عينية في طرح الإسلام الإنساني على حقيقته، وليس كما صوّّره اعداؤه أو بعض المتطرفين من ابنائه.
لقد حاول الكثير من أعداء الإسلام تصويره على أنه دين، يسمح لأبنائه: التمرد على كل ما من شأنه تنظيم الحياة، من قوانين أو تعليمات.. في الوقت الذي يهتم الإسلام فيه بتقوية الدوافع الذاتية التي تبعث المسلم من داخله على الالتزام، بعيداً عن رقابة القانون، التي تعجز عن النفوذ الى عمق الانسان الداخلي؛ كما توجد فيه قابلية الردع الذاتي، التي تكفه عن إلحاق الضررلأيّ إنسان: يقول امير المؤمنين (ع):
(اوصيكم بتقوى الله ونظم امركم).
بينما نجد المواطن في الدول الغربية عموماً يتقيد بالقانون، لكنه يستثمر احيانا الفراغات القانونية، او غفلة الجهات التنفيذية المعنية بالتطبيق، لتحقيق مصالحه ما دام في مأمن من الوقوع تحت طائلة العقوبة القانونية.
يقول (نيتشه) الفيلسوف الالماني المعروف، الذي روّج اليهود لافكاره، وأخلاقياته: -
(اذا استطعت أنْ تخرق القانون.. . بحيث لاتقع تحت طائلته فافعل بشرط أن تكون ذكيا فلا تنالك عقوبته- أي اقتل، أو اسرق، اذا استطعت ان تنجو من مؤاخذة القانون.. فالمانع إذن هو القانون لا الاخلاق، وهذا هو الفرق بين أخلاقهم واخلاقنا، وحضارتهم وحضارتنا..!)25، ومن البديهي ان الثقافة والادّعاءات، مهما بلغت من القوة، لا تؤدي الغرض المطلوب مثلما يؤديها التجسيد الحي الذي يلمسه الاخرون.
6- الحوار الحضاري
ونريد به اعتماد مبدأ الحوار القائم على اساس ابراز الفكر الإسلامي، من موقع المشافهة نريد بالحوار الحضاري مبدأ الممارسة التطبيقية، مع ابناء الحضارات الاخرى من و الى موقع استيعاب المفردات الحضارية، الانسانية، المختلفة، والتي تجعل من الإنسان قيمة عـُليا، يلتقي فيها الإسلام مع كل الحضارات الإنسانية، إنَّ هذا الدور-عادة- لا ينهض به إلاّ مَنْ كان له باعٌ طويل في فهم الإسلام، وفهم الحضارات الاخرى، وفهم المشتركات بينها، واجادة الاسلوب المناسب في إدارة الحوار من دون أنْ تتحول عملية الحوار الى صراع، او غلبة المادي القوي لتحقيق هيمنة ما على بني الانسان، مهما كان مبررها؛ إنَّ الحضارة الإسلامية وفي أوج ذروتها ظلت انسانية، والمتتبع للتأريخ، لا يجد ثمة صعوبة في ادراك ثلاث ظواهر، ظاهرة الامتداد بالمسلمين الى كل بقاع العالم عبر التأريخ من دون أنْ يذوب في ممارساتها الشاذة، بل يتعامل معها بكل ثقة، من دون أنْ يسجل إساءة الى المجتمع، او انتهاكاً لحرمته.
والظاهرة الثانية هي الامتداد بالدولة الاسلامية الى مناطق متعددة من المجتمعات البشرية، لتمد من خلال ذلك العلم، والمعرفة، والعدل، من دون ان تعاني تلك الشرائح الاجتماعية من عنت او ضيم، بل انها عاشت ربيع عمرها، وذروة ازدهارها على الاطلاق.
والظاهرة الثالثة هي احتضان المجتمعات والدولة الإسلامية لأبناء الديانات الاخرى، وانها كانت صاحبة السبق في منح الامن لكل من يعيش في كنفها، وأنهم دخلوا في ذمة الإسلام ، إنَّ هذا يعكس أنَّ المجتمع المدني يقوم من وجهة نظر إسلامية على أسس انسانية، مما يجعل الانسان يعيش حراً في ظل الإسلام، بما لا يتاح له في ظل اي نظام آخر، قد يتهدد امنه، وسلامته، ومصيره لأتفه الأسباب.
التعاطي الحضاري من وجهة نظر بعض الدول الغربية، يعني حواراً لتحقيق مصالح، واذا اعتقدت ان مصالحها قد تضررت فلا تألوا جهداً من اجل إعادة النظر بكل تلك المُدَعـَيات، بحيث تبدأ الحرية بالتراجع، او الزوال ، والحوار بالاحتراب، وحقوق الانسان بالانتهاك، ومساعدة الدول الضعيفة بالهيمنة عليها، والتحكم بخيراتها.
المراجعة الموضوعية، لمسيرة الإسلام في التعامل مع ابناء الديانات، الاخرى يفضي الى حفظ حقوقهم، وصيانتها من اي انتهاك، مهما كان السبب ، إنَّ الإسلام دين يخاطب قلوب الناس، وعقولهم ، ويكرمهم من دون ان يسمح بانتهاك حقوقهم، بل إنهُ يبني المجتمع على أسس إنسانية، كل هذا الذي غاب عن وعي الكثير من المسلمين، فضلا عن غيرهم بسبب ما يعانيه من تضليل من أعدائه من جانب، وبعض الممارسات الشاذة، التي يمارسها باسم الإسلام بعض أبنائه من الجانب الآخر، هذه المهام تتطلب ثقافة عالية ترتقي الى مستوى الأصالة.
الخلاصة
بسم الله الرحمن الرحيم
((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)).
الثقافة في اللغة من الحذق والفهم.
الثقافة الاسلامية هي: (مجموعة المعارف والتصورات والعلوم النظرية التي تدور في فلك الاسلام لتنبثق عنها فكرة شاملة عن الكون والانسان والحياة والتي تؤثر في الفرد والمجتمع فتضفي عليهما طابعا شخصيا)(نفس المصدرص 17).
الله هو الخالق والمشرع للأحكام
الكون هو المـُسـَخـَّر للإنتفاع الإنساني
الانسان هو المُستـَخلـَف
الحياة هي مجال العمل الإنساني
1-مواكبة مرحلة التأسيس: مرونة الشاب- خلو ذهنه من افكار مسبقة- التربية هي الاساس- تمتزج مع العواطف - التلقي بالاقتناع بدل التلقين.
رفض المُسلـَّمات التقليدية : (الشخصية -الإنسان ابن بيئته-)، (العائلية -المحاباة بين الجنسين-)، (العرفية -حشر مع الناس عيد-)، (الادعاءات باسم العلم -رينان-)
تدشين العقل للوصول الى المـُسـَلـَّمات المـُبرهـَنة
2-ندرة الانموذج الاسلامي: نشوء علم الكلام ؛ اهمية الإنموذَج الصالح.
3-الجواب على الإثارات في اوساط الغرب: خلفية النظرة الغربية للدين (برينللي) ضرب بالعصى لأنه لم يقل بسقوط النجوم!؛ (غاليلو)! (كولومبس) مكتشف اميركا عام 1492 ؛ ما هو المقبول والمرفوض؟
4- بناء الواقع الإسلامي: المقارنة بين واقعين إسلامي ولا إسلامي بدل الإسلام اللا ّواقعي. الرسول (ص): حالفني الشباب وخالفني الشيوخ.
5- مونتغومري وات: انتمى للإسلام خيرة الشباب من أفضل العوائل.
6-مهمة حماية الإسلام: جبهتا التحدي الداخلية والخارجية؛ الرقابة الداخلية ودلالتها على جدارة الإسلام في بناء الانسان الصالح.
7-الحوار الحضاري: الظواهر الثلاث؛ أ- امتداد المسلمين؛ ب- امتداد الدولة الإسلامية؛ ج- احتضان المسلمين لأبناء الديانات الأخرى.