تيار الاصلاح الوطني مؤسس المنتدى
عدد المساهمات : 149 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 16 الموقع : http://www.eslahiraq.net
| موضوع: عبد المطلب علي وزير الصحة الخميس 19 نوفمبر - 23:41 | |
| السلام عليكم، حوار جديد مع أحد وزراء الحكومة الانتقالية، ضيفنا في هذا الحوار الدكتور عبد المطلب علي وزير الصحة في الحكومة الانتقالية، مرحباً بكم دكتور.
الوزير : أهلاً ومرحباً..
- دكتور، في البداية نودّ أن تسلط لنا الضوء على سيرة حياتكم الشخصية بجانبيها الاجتماعي والمهني، فهل لك أن تحدثنا باختصار عن ذلك؟
الوزير: الدكتور عبد المطلب علي محمد صالح. من مواليد بغداد 1956 تخرجت من الدراسة الإعدادية عام 1973، ومن الكلية الطبية العراقية -جامعة بغداد، أي: حاصل على شهادة البكالوريوس طبّ وجراحة عامة عام 1980. وحاصل على دبلوم عالٍ في الأمراض الباطنية عام 1992، وحاصل على شهادة البورد العربي – الدكتوراه- في الطب الباطني عام 1994.
عملت في دائرة صحة بغداد، وفي مستشفيات متعددة، وفي دائرة مدينة الطب حيث كنت مقيماً أقدم لأمراض الكلى، وبعد حصولي على شهادة الاختصاص عملت لمدة سنة كاملة في محافظة ميسان، رجعت بعدها إلى العمل في مستشفى القادسية سابقاً (حالياً مستشفى الصدر)، حتى عام 2005، ولحين استيزاري في وزارة الصحة.
- سيادة الوزير، بالتأكيد كان هناك حدث ما قد غيّر مسار حياتك، وأوصلك إلى ما أنت عليه الآن, فما هو هذا الحدث؟
الوزير: خلال عملي على مدى خمسة وعشرين عاماً كان هدفي الإخلاص لوطني، والإخلاص للمواطن، وللمهنة هذا الهاجس هو الذي غيّر حياتي.
- كيف تم اختياركم لوزارة الصحة, وكيف تم ترشيحكم لها؟
الوزير : الإخوان في التيار الصدري مُطــّلعون على سيرة عملي من خلال وجودي في مدينة الصدر لمدة تسع سنوات، ورأوا الخدمات التي كنت أقدّمها.
وأنا لا أحسّ بفضل أمنَّ به على أحد، بل هذا من فضل الله عليَّ. ومشاركتي لمعاناة المواطن الفقير في هذه المنطقة، هي التي أهّلتـني للترشيح، والعمل بصفة وزير للصحة عن التيار الصدري.
- أستاذ عبد المطلب، كما ذكرتَ أنك كنت موجوداً في العراق، وخاصة في زمن النظام السابق.. كيف تـُقيِّم الواقع الطبي في ذلك الوقت، وما مدى اهتمام النظام السابق به؟
الوزير: الواقع الطبي كان يسير مسيرة لا بأس بها، ومواكب للمسارات العالمية إلى حدّ عام 1988 عند توقف حرب القادسية المشؤومة.
وعند بداية اضطراب الوضع المالي للحكومة العراقية، ودخول الكويت وبسبب الحصار, بدأ النظام الصحي في ذلك الوقت يتعمد إيجاد الأزمات للتباكي أمام العالم بأسره بأن هناك ظروفاً صعبة للعراقيين.
كما أنه (نظام صدام)، يتعلـّل بالحصار، ويجعله سبباً في تدهور الواقع الصحي في البلد.
لذلك كان يضيّق على وزارة الصحة من ناحية التزويد بالأدوية، وكان يـُطلب منا زيادة معدلات الوفيات بين الأطفال إلى نسب أعلى. وكانوا يؤكدون على الأمراض السرطانية، وإعطاء أرقام قد تكون مقاربة للحقيقة، أو مغايرة لها.
لذا لا يمكن أن يعوّل على إحصائيات وزارة الصحة في ذلك الوقت، لأنها إحصائيات يشوبها الكذب، والخداع من أجل الاستفادة، والترويج سياسياً، وإعلامياً وعالمياً للنظام السابق.
لذلك لا يمكن إجراء مثل هذه المقارنة بالوقت الحاضر، نحن نحتاج إلى قاعدة بيانات، ومعلومات جديدة من الآن فصاعداً لكي نقيّم الوضع، أما إذا أردتَ أن تعتمد على البيانات الصادرة في ذلك الوقت، لتقارنها بالبيانات في الوقت الحاضر، فالبيانات السابقة غير موثوق بها، والتقييم سيكون صعباً في هذه الحال.
- معالي الوزير، مرحلة سقوط النظام، ودخول القوات الأجنبية، كيف تصف هذه المرحلة، ومدى تأثيرها على الواقع الطبي؟
الوزير : هي أحرج فترة تعرّضت لها وزارة الصحة، لكن بفضل الله كانت وزارتنا الوزارة الوحيدة التي لم تسقط، ولم تتعرّض للنهب والسلب، كما لم تتعرّض إلى أزمات فعلية، كما تعرّضت لها الوزارات الأخرى.
وزارة الصحة هي أول وزارة حصلت على السيادة من قوات التحالف، فظلت وزارة الصحة على حالها قبل أن أكون وزيراً فيها، أي: في زمن الزملاء الوزراء السابقين.
في زمني (فترة تولي الدكتور مطلب الوزارة)، كنت أقدّم الخدمات الصحية والطبية بشكل متواتر، وكانت هناك لجان، ومنظمات دولية، وجهات ساندة تتعاطف مع مشكلات وزارة الصحة، وتمدّ يدَ العون لها في ذلك الوقت.
لذلك لم تكن ظروف وزارة الصحة بحراجة ظروف بقية الوزارات، ولكن حراجة الأزمة الصحية، وحراجة الأزمة الإرهابية هما اللتان زادتا من أعباء وزارة الصحة في فترة سقوط النظام.
- دكتور في بداية تسنمكم الوزارة، ماذا هيّأت لكم التشكيلة الوزارية التي سبقتكم. وكيف تسلـّمتم الوزارة، وماهي الخطة التي وضعتموها، والآلية التي عملتم عليها؟
الوزير: لأسباب إدارية كانت وزارة الصحة متروكة لمدة أربعة أشهر بلا وزير، وحين تسلـّمت مسؤوليتها تسلـّمتُ ملفات كثيرة تخصّ الوزارة مثل ملفات الوقاية الصحية، والرعاية الصحية العامة، وكانت لا بأس بها.
ولكن كان أصعب ملف لديّ هو ملف شحة الدواء، وملف الفساد الإداري الذي استشرى في الوزارة بشكل فاضح.
لذلك وفي ملف الأدوية قمنا بإحصاء كامل، لوضع اليد على الموجود الدوائي الفعلي الحقيقي في مخازن وزارة الصحة، وماهي مشاكل الدواء لإيجاد الحلول الناجعة لها.
في الحقيقة مشاكل الدواء كثيرة في العراق، تتمثل في قلة المساحة الخزنية، وعدم انتظام نظام الخزن، وقلة بعض مفردات الأدوية، وصعوبة إجراء العقود سواء مع الشركات العالمية، أم من قبل لجان العقود.
في زمن الحكومة الانتقالية، كانت تـُوضَع علينا شروط صعبة جداً، إضافة إلى أن تمويل وزارة الصحة هو تمويل مركزي، يعتمد على وجود السيولة المالية الموجودة لدى وزارة المالية.
وإن توافرت السيولة المالية لديها يتم تسيير العقود بسرعة، أما إذا كان هناك تعثـّر بالسيولة المالية، فهذا كان ينعكس على قضية العقود خصوصاً الأدوية.
أضف إلى ذلك تفاقم هجمة الإرهاب بأضعاف مضاعفة في زمن الحكومة الانتقالية، حيث جاءت كردّ فعل ضد هذه الحكومة، وكانت وزارة الصحة تتحمّل عبء هذا الإرهاب فيما يخصّ إسعاف المرضى، وإجراء العمليات الجراحية السريعة لهم.
وحتى عندما يُتوفى ضحايا العمليات الإرهابية، كنا نحارُ في توفير المخازن لحفظ الجثث في ذلك الوقت، وكل هذا عائد إلى وضع الإرهاب وإلى السيولة المالية.. هذا في ملف الأدوية.
أما في ملف السيولة المالية... وهو ملف آخر من ملفات الفساد المالي، والإداري حيث وقعت في أيدينا ملفات كثيرة تمت معالجتها إما بشكل قاطع، أي: بإحالة المتسببين بالفساد إلى المحاكم، ومفوضية النزاهة أو بنقلهم إلى مواقع أخرى لا يُتاح لهم فيها مزاولة نشاط الفساد الإداري والمالي.
وهذا كله من الملفات، أو التحديات التي تعرّضت لها وزارة الصحة في بداية تكوينها، أضف إلى ذلك إعادة تكوين هيكلة وزارة الصحة.. هيكلة وزارة الصحة تعتمد على قانون يرجع إلى عام 1982، أي: إنه مضى عليه 23 عاماً، والعالم تغيّر باتجاهات متعددة، كما أن عدد نفوس العراق ازداد إلى (30) مليون نسمة، قياساً بذلك الوقت الذي كان فيه عدد نفوس العراقيين (17) مليون نسمة.
كما أن الأسلوب العالمي في مواجهة الأزمات، والكوارث في إدارة الصحة قد تطور كثيراً.
لذلك أوجدنا هيكلية جديدة لوزارة الصحة، وتمت الموافقة عليها من قبل مجلس الوزراء، ومازالت بانتظار أجندة المجلس الوطني (مجلس النواب الجديد) للموافقة عليها؛ لترى النور في الوزارة الجديدة إن شاء الله.
- دكتور عبد المطلب، هل هناك نصيحة، أو كلمة تودّ أن تقدّمها للوزير الجديد؟
الوزير : الوزير الجديد زميل عزيز عليّ. وأنا جلست معه ساعتين وقدّمت له النصائح التي يمكن أن يستفيد منها إن شاء الله. وأرى أنه يعمل بها حالياً.
- وأين أنتم الآن من العملية السياسية، معالي الوزير؟
الوزير : أنا أساساً في داخل وزارة الصحة، ولم أكن أعمل في العملية السياسية، بل كنت أعمل كرجل تكنوقراط لا دخل لي في السياسة،
ولازلت أحد روّاد التيار الصدري الأوائل، لكني لا أزاول العمل السياسي.
ففي عملي أنا رجل تنفيذي أعمل بصيغة التكنوقراط في التيار الصدري، ومتى يحتاجني التيار الصدري كرجل تنفيذي فيه قضايا تكنوقراطية، أنا في خدمته بالدرجة الأساسية، وبالدرجة العليا لكل العراقيين، لأني كنت وزيراً لكل العراقيين.
- أستاذ عبد، على ذكر التكنوقراط.. هناك من يطالب بحكومة تكنوقراطية، هل يمكن تحقيق ذلك في المرحلة الحالية برأيك؟
الوزير: أعتقد أن أنجع الحلول لوضع العراق الحالي هو الحكومة التكنوقراطية، وليس الحكومة التوافقية... التكنوقراط يفرض نفسه من باب أن البلد محتاج اليه حالياً لإصلاح البُنية التحتية، والأوضاع المتردية في بعض الحقول.
وأحسن مَن ينبري في هذا الاتجاه هو الرجل التكنوقراطي، وليس الرجل السياسي.
- معالي الوزير، ذكرتم بعض المشاكل التي واجهت الوزارة ، كذلك فإن النظام البائد خلــّف واقعاً متدهوراً في الطب. ماذا قدمت الوزارة من أجل النهوض بهذا الواقع المتدهور؟
الوزير: كل ما يحتاجه الوضع الصحي في العراق هو إيجاد نظام صحي جديد، فقد كان واقع النظام الصحي في العراق هو نظام (اللانظام)، إذ كانت مراجعات المواطنين عشوائية، لا تعتمد على الرقعة الجغرافية، ولا على المرض، ولا على درجته.
لذلك كان لابد من توضيح ملامح هذا النظام الصحي؛ فقسمنا النظام الصحي إلى ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة الرعاية الصحية الأولية، والتي تشمل المستوصفات، والمراكز الصحية الأولية.
والثانية: وتشمل المستشفيات العامة، ومراجعة الطوارئ، إلى العمليات الجراحية.
والثالثة : وتشمل مستوى المُعِدات المتطوّرة، والمتخصّصة في الأمراض كأمراض الأنف والحنجرة، وأمراض العيون، والأمراض الجلدية، والجراحات التخصّصية كجراحة القلب، وجراحة الدماغ، وجراحة الجملة العصبية... إلخ.
إذن حاولنا أن نضع العمل في مساره الصحيح من خلال تلك المراحل المتميزة.
إضافة إلى أنه تم العمل على إيجاد نظام طب الأسرة في مراكز الرعاية الصحية الأولية، وهذا كان يتطلب إعادة تأهيل كل المراكز الصحية الموجودة في العراق. لأن المواطن يحتاج إلى أن يراجع المستشفى ليجد أمامه الدواء، والأجهزة مثل جهاز السونار، وتخطيط القلب، وفحص الإيكو، وما إلى ذلك؛ حتى يكتفي بمراجعته.
وعندما لا يجد هذه الأمور في مراكز الرعاية الصحية الأولية سيلجأ إلى المستشفى، ويراجعها بشكل عشوائي.. وهذا كله سيستنزف من طاقة وزارة الصحة، ومن إمكانياتها، ويستنزف الكادر البشري كذلك؛ لأنه إذا كان لديك كادر أخصائي في العيادة الخارجية كاستشاري، ويفحص خلال 6 ساعات 250 مريضاً، وهذا المريض له حق أن يبقى دقيقتين مع الطبيب وهي فترة السلام عليه، وشرح حالته المَرضيّة، وكتابة الوصفة بلا فحص، فهذا استنزاف لطاقة الطبيب.
هكذا كان سوء النظام الصحي سابقاً، إلا ّ أننا في الفترة المُتاحة للحكومة الانتقالية، لم يُتَحْ لنا تطبيق نظام يسيطر على تفاصيل العمل الدقيقة بالكامل؛ لكننا بنينا اللبنات الأولى له.. كنظام طب الأسرة، حيث وضعنا درساً تفصيلياً لنظام طب الأسرة في المستنصرية، وفي الصليخ، وبإشراف دائرة صحة الرصافة.
وفي ميسان أقيم نظام طب أسرة مماثل، وأوجد نتائج طيبة جداً. ونحن الآن نُهيّئ الكوادر، ونؤهّل المستشفيات في وقتها حتى تكون جاهزة لنظام طب الأسرة، ونظام الإحالة.
إضافة إلى بداية التأهيل في المستشفيات العامة، عندما تسلـّمنا وزارة الصحة كان عدد المساحة السريرية للوزارة 25 % فقط، وكان هناك ضغط على المستشفيات الكبيرة كمدينة الطب، واليرموك، والكندي والمستشفيات الرئيسة في المحافظات.
لأن التأهيل كان مباشَراً به في آنٍ واحد، وهذا كان الخطأ الذي سبّب الضغط... فالتأهيل كان يجب أن يكون خمسين في المائة مقابل خمسين في المائة.
مع ذلك واصلنا عملية التأهيل بين بداية وزارة الصحة في الحكومة الانتقالية إلى نهايتها؛ فارتفعت المساحة السريرية من 25% إلى 75%. وتوجد مستشفيات أُهّلت بالكامل، وتسلـّمتْها الآن دوائر الصحة، وبدأت تُقدَّمُ فيها الخدمات الصحية.
ويمكن رؤية الفرق في مستشفى اليرموك، ومستشفى الكندي، ومستشفيات المحافظات التي تم تأهيلها.
استفدنا من المِنح المالية كالمِنحة اليابانية في إعادة تأهيل مستشفيات "ماروبيني" والتي كانت تسمى سابقاً مستشفيات صدام، حيث تم التعاقد على تأهيل 8 مستشفيات من مجموع 12 مستشفى.
بدأ التأهيل في المحافظات الجنوبية، وفي المحافظات الشمالية. والجزء الآخر هو عملية تنمية الكادر البشري؛ فالكادر البشري يحتاج إلى تطوير.
ومن خلال التوافق مع منظمة الصحة العالمية، وممثليها الموجودين في الأردن، والمنظمات الدولية تم تأهيل نسبة لا بأس بها من الكوادر الطبية، والكوادر الوسطية حتى الكوادر الخدمية تمت رعايتها، وتطويرها على شكل إرساليات، وبعثات، ودورات تدريبية.
وقسم من هذه البعثات كانت تــُجرى في عمان، وقسم منها في القاهرة، وقسم منها في الدول الأوربية.
كذلك تم التركيز على عملية ما يسمى "وحدة العمليات والطوارئ"، وقد استبدلنا اسمها حالياً على الهيكلة الجديدة فتحوّلت إلى" وحدة الكوارث والإسعاف الفوري"، مواكبة مع البنود العالمية لمنظمة الصحة العالمية، وقمنا بتطوير أداء السيطرة على الكوارث، فقد أصبح لدينا دائماً إسعاف متنقل، وإسعاف ثابت، وأسلوب إدارة الأزمات داخل وزارة الصحة، وكادرنا في داخل وزارة الصحة تطوّر، وبدأ يستوعب أزمات الإرهاب. كانت عملية الإخلاء تستغرق ساعتين إلى ثلاث ساعات حتى تستوعبها كوادر الوزارة، فأصبحت عملية الإخلاء من الموقع تتم في أقلّ من عشرين دقيقة.
وهذا مقارب للمقياس العالمي في استيعاب الأزمة ككل، بحيث حين تصل إلى المستشفيات بعد ثلاث ساعات تجد أن الأزمة منتهية، والجرحى كلهم قد أخذوا علاجاتهم، والذي يحتاج عملية أجريت له العملية، والذي يحتاج وحدات تخصّص يُحوّل إلى مراكز التخصص.
إلى ذلك توجد إجراءات أخرى، حيث توجد مراكز صحية نوعية تم افتتاحها؛ إذ تم افتتاح مركز صحي لاستقبال الزائرين في النجف، ومركز صحي آخر في كربلاء.. فقد طوّرنا المراكز الصحية، وأداءها في عموم العراق.
- دكتور، ماذا عن تجهيز المستشفيات بالأجهزة الطبية الحديثة؟
الوزير: لا يوجد نقص أبداً في الأجهزة للعمليات الجراحية في كل أنحاء العراق، وحتى في الأقضية والنواحي، ولكن النقص أصبح بالكادر البشري فوزارة الصحة في زمن الحكومة الانتقالية، وحتى في الزمن الحالي تعاني من نقص شديد في الكوادر الصحية.
وسبب ذلك، هجرة شديدة جداً من الجنوب إلى الشمال (شمال العراق)، ومن الوسط إلى الشمال، ومن العراق إلى خارجه، بسبب ما يتعرّض له كادر وزارة الصحة على المستويات كافة، ولاسيما الاختصاصات العالية من عمليات قتل، وتشريد، وخطف.. إلى آخره.
- معالي الوزير، ما كانت إجراءاتكم لحماية الكادر الطبي؟
الوزير : كانت عندنا مداولات كثيرة مع وزارتي الداخلية والدفاع، ومع المخابرات العامة، ومجلس الوزراء في ضرورة إيجاد نظام حماية قسري للكوادر الطبية تتحمل مسؤوليته وزارة الصحة، ووزارتا الدفاع والداخلية، والأجهزة الأمنية الأخرى.
لكن كنا دائماً في مجلس الوزراء عندما نناقش هذا الموضوع يُطرحُ أمامنا مسألة أن الإمكانيات غير متاحة لإيجاد هكذا نظام، إضافة إلى أن زملاءَنا الأطباء في مداولاتنا معهم سواء كانوا في الجامعة مثل عميد جامعة الكندي، وعمداء من كلية طب بغداد، وجامعات أخرى، أم في الصحة كانوا يرفضون هذا النظام على لسان ممثليهم الذين كانوا يجتمعون معنا.
- دكتور، نسمع في الإعلام بين الحين والآخر، أن هناك تعدّياً على الأطباء، حتى وصلت إلى مرحلة الضرب، فما هو سبب ذلك، وما هي الإجراءات التي اتخذتموها لمنع ذلك؟
الوزير : بل لنقل: أصبح الزاد الذي نـتـقوَّت عليه يومياً، فهناك اعتداءات من المواطنين، والمغاوير، والحرس الوطني إلى آخره... إلى أن تمّ إيجاد عقوبات قسرية، وفي آخر حادثة حدثت اضطررنا إلى أن نـُلقي القبض على الناس الذين اعتدوا على الكادر الطبي في مستشفى اليرموك، ونــُفــِّذت بحقهم عقوبات صارمة، وأصبحت هكذا قضايا تـُحال إلى المحاكم.
بعد ذلك حصلت اتفاقات حيث كان وزير الدفاع الأخ (سعدون الدليمي)، متعاوناً جداً بهذا الخصوص، وكذلك الأخ (باقر الزبيدي)، وكان متعاطفاً معنا أيضاً.
لقد وجدنا صيغة للتعامل مع مثل هذه الأمور، وبدأت تنحسر شيئاً فشيئاً. لكن مازال هناك اعتداء على الطبيب، والممرضة، والمضمد. لأنه مازال هناك انفلات أمني، ويتعذر مع ذلك ضبط كل الدوائر الصحية.
- ماذا عن تجهيز الأدوية، والعقاقير وهل هي متوافرة. خصوصاً وأن هناك أدوية، وعقاقير تدخل من دون سيطرة نوعية، وتــُباع في الأسواق؟
الوزير: ما يُصرَف في منافذ وزارة الصحة خاضع للسيطرة النوعية، أما عن طريق مختبراتنا، أو من مناشئ رصينة. وفي حالات الضرورة القصوى نطلق صرفها.
أما ما تجده في الأسواق فهو إما مسروق من المرافق الصحية، وهو بالأساس نافذ المفعول، وتـُزوّر مدة انتهاء الصلاحية، أو جاء من مناشئ غير معروفة، وعن طريق منافذ غير أصولية.
إن مشكلة الدواء الذي يُباع في الشارع وزارة الصحة غير مسؤولة عنه. حيث كانت الوزارة تفتش عن ذلك، وتبلـّغ الداخلية، من أجل منع هذا الدواء الذي يُضِر بالناس.. فإذا قضيت على أسلوب بيع الدواء في الشارع، قضيت على كل هذه الظواهر.
كان عندنا دائرة التفتيش تفتش بالشهر بمعدل (4 إلى 5) مرات، وتعمل على جرد على كل المذاخر الأهلية، والصيدليات الأهلية، وما تجده مسروقاً من وزارة الصحة يتعرّض صاحبه إلى عقوبات، وما تجده من منافذ غير معروفة يتم إنذار الصيدلية بضرورة إبدال دوائها، أو التصرف بطريقة أخرى.
لكن ليس لدينا القدرة على السيطرة على المنافذ غير المشروعة في توفير الدواء, فقط وزارة الصحة الحالية، والسابقة تـُلام إذا كان في منافذها الرسمية دواء مغشوش، والحمد لله لا يوجد هكذا شيء.
كانت هناك شحة دوائية في بعض مواد التخدير، والاجهزة، ومواد الضغط، ومواد علاج السكر في فترة معينة، وعندما أحصيناها وتقصّينا عنها، وجدنا أن مقدار الشحة لا يتعدى 12 مفردة من مفردات الأدوية، حيث تم شراؤها بشكل عاجل، وسريع لتغطية النقص.
لا أعتقد أنه توجد شحة، لكن الشحة متوقعة في أي وقت، لأن مخازن وزارة الصحة لا تستوعب خزيناً لأكثر من سنة، في حين أي خطة اذا اردت ان تضعها، ولكي تكون بأمان تجعل مخازنك جاهزة لاستيعاب خزين يكفيك سنتين.
وعندما يصل حدّ الخزين الى (30 %) يوجد نظام يشعرك بأن خزينك من اليوم الفلاني سيصل إلى 30% ، حيث يجب الاستيراد عندما يصل إلى حد أكثر من 80 %، وإذا حصل اختناق في الخزن فيجب تقليل الصرف.
هذه الخطة، وضعناها في الشركة العامة لشراء وتسويق الأدوية، حيث وضعنا خطة بهذا الاتجاه، وبدؤوا يعملون بها خصوصاً قبل أن أترك وزارة الصحة، والتي بُدِّلت إدارتها، وبدأت تعمل بالاتجاه الصحيح.. ان شاء الله، وأدعو لهم بالموفقية.
- شاعت في الآونة الاخيرة معالي الوزير، ظاهرة بيع الأدوية المخدّرة. وممكن لمتعاطِي المخدرات أن يشتروها من أرصفة الشوارع. ماذا فعلت الوزارة للسيطرة على هذه الظاهرة؟
الوزير : عمدت وزارة الصحة، وبالتعاون مع وزارة العدل، ووزارة الداخلية، والمخابرات، والوقفين الشيعي، والسني على ايجاد قانون جديد للمخدرات في العراق غير القانون السابق، وتم التداول في مجلس شورى الدولة، وفي وزارة العدل لمدة قاربت السنة.
والآن مشروع قانون مكافحة المخدرات، هو إما على اجندة مجلس الوزراء، او انتقل الى الجمعية الوطنية للاتفاق عليه، ويفرض هذا القانون شروطاً قسرية، وشديدة جداً على تعاطي المخدرات، وبـيعها، وتداولها وليس فقط المخدرات، وإنما المواد ذات التاثير النفسي.
القانون لا يخص المخدرات فقط لأنه توجد ادوية مثل " الارتينت والماكادون" لها تأثير نفسي، لا تدخل في قائمة المخدرات، ولهذا وضعنا لها قانوناً قسرياً، وأن شاء الله سيُعمَل به.
- دكتور، تعرضت البلاد في فصل الشتاء لمرض انفلونزا الطيور، فكيف واجهتم هذا المرض، وما هي الإجراءات إذا ما عاوَدَ هذا المرض دخوله في فصل الشتاء (القادم)؟
الوزير: كان العمل مُنسَّـقاً، ومشتركاً في مجلس الوزراء، ويقوده نائب رئيس الوزراء، وبتوجيه من رئيس الوزراء المُوقــّر، فقد كان له دور قيادي بارز في تسيير أمور وزارة الصحة.
لقد اتجهنا بكل الاتجاهات من أجل سدّ المنافذ على المواد القابلة لنقل الوباء، كما عملنا على زيادة التوعية الوطنية، ورفع درجة الإنذار الفعلي، والصحي، والإعلامي إلى أقصى الحدود.
وبدأنا نثقــّف ضد المرض في كل مرفق من مرافق الاعلام، وتحركت الوزارة باتجاه المحافظات كلها لاستقصاء الوضع.. تحركنا باتجاه توفير الأدوية اللازمة، فيما لو حصلت حالة وفاة.
في اجتماع مجلس وزراء الصحة العرب في القاهرة، وتحديداً في شباط في فترة ما بين الحكومة الانتقالية، والحكومة الجديدة كانت الانتخابات قد اكتملت، وانتهت وفوجئ الجميع بأن العراق عنده خزين ربع مليون جرعة من العقار الذي يُستخدَم في علاج انفلونزا الطيور " تانفلو".
فبدأ الوزراء يسألون من أين لنا هذه الأدوية؟. وكان هذا العقار مخزوناً في مكتبي في ذلك الوقت، هو والقضايا الأخرى التي تحتاجها مكافحة انفلونزا الطيور من بدلات الحماية الى الأدوية المختبرية، والنواقل المختبرية.. إلى آخره.
وكان ذلك بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، والفرع الاقليمي للشرق المتوسط، والفرع العراقي الموجود في عمان.
كان التحرك بهذا الاتجاه، بحيث لما حدثت الأزمة سُجّلت عندنا أكثر من أربع حالات رسمية في الشمال، وفي الجنوب لم تـُسجَّل أكثر من اربع حالات رسمياً، وحالات الوفيات التي حصلت ليس اكثر من ثلاث، وإحدى الحالات تماثلت للشفاء.
لقد كان هذا انجازاً بالنسبة لظروف العراق، وليس فقط إنفلونزا الطيور؛ لدينا " الملاريا " كانت مستشرية في العراق سنة 2000، ومسجل عندنا 2700 حالة، والمسجل حالياً لم يتجاوز 39 حالة.. حافظنا على عراق نظيف من شلل الاطفال، على الرغم من الظروف الحالية عن طريق إيجاد الحملات السريعة، والشاملة للتلقيح بلقاح شلل الاطفال، لذا من انجازاتنا مكافحة والتصدي لأمراض انفلونزا الطيور، وشلل الاطفال، والهبوط في نسبة معدلات الملاريا، والكوليرا التي انتشرت في مناطق متعددة.
وفي اجتماع القاهرة، كانوا مستغربين أيضاً كيف أن العراق لم تسجّل فيه حالات كوليرا، وفعلاً الآن تركنا تزوير الأرقام كما في زمن نظام صدام، واستعملنا أسلوب المكاشفة، فلما سُجلتْ عندنا حالات انفولونزا الطيور قلنا ذلك حتى نمنح مصداقية للعالم المحيط بنا، فانعكس ذلك إيجاباً علينا، فقد صدّقوا انه لا توجد في العراق كوليرا، وشلل اطفال، وهذه كلها كانت منجزات الحكومة الانتقالية.
أنا لا ادعي هذا لنفسي كوزير صحة، بل تم ذلك بمساندة أطراف ساندة كمجلس الوزراء، ونائب رئيس الوزراء، والناس الذين كانوا يسهّلون حركتي، إضافة إلى زملائي في وزارة الصحة.
- دكتور، تحدثنم عن حملات التلقيح ضد مرض شلل الاطفال .. شهدت العقود السابقة حملات تطعيم واسعة ضد بعض الأمراض في البيوت والمدارس, نلاحظ في الفترة الاخيرة غياب هذه الحملات، ما سبب هذا الغياب، خاصة أن هذه الحملات قدمت خدمة كبيرة للمواطنين؟
الوزير : لا زال البرنامج الوطني لتلقيح شلل الاطفال موجوداً في المدارس، ومراكز الرعاية الصحية الأولية, وحسب مؤشرات منظمة الصحة العالمية، فإن هذه الخدمات تغطي 82% من مساحة التلقيح، لذلك كان يُلجأ الى إيجاد الحملات الوطنية.
في (العام الماضي) أُجريت حملتان وطنيتان إحداهما في حزيران، والثانية في تموز، وفي هذه (السنة)، أُجريت حملة وطنية أخرى كان آخرها في مايس.... هذه الحملات الوطنية الشاملة التي نـُجريها بمساعدة منظمة الصحة العالمية، والكوادر الوطنية تزيد معدل التغطية من 82 % على البرنامج الوطني الى 96 %، وفي بعض المحافظات وصلت التغطية الى 100 %.
وفي محافظات كانت تعاني من أزمة المهجّرين، وصلت نسبة التغطية فيها الى 106 أو 107. هذا يعتبر انجازاً لوزارة الصحة وليس غياباً.
البرنامج الوطني لا زال يعمل في المدارس، والمراكز الصحة الأولية لكن الحملات المكثفة ترفع نسبة التغطية من 82 % الى 96 % او 100% في بعض المحافظات، وهذا لا يعتبر قصوراً لوزارة الصحة، بل إنجازاً.
- سيادة الوزير، بالنسبة لصناعة الأدوية.. بعض الأدوية تمت صناعتها في العراق في بعض المعامل والمصانع.. هل هناك اتفاقيات مع بعض الشركات لإنتاج الأدوية وتحسينها؟
الوزير : الاتفاق الموجود مع وزارة الصناعة والمعادن كان يخص مصانع سامراء، ونينوى وبعض المصانع الموجودة في بغداد. وتوجد هناك مصانع أهلية تنتج الأدوية، وهذه لا يـُعطي لها الحق في بيع الأدوية، وتداولها في المؤسسات الصحية، أو في السوق العراقية إلاّ بعد إجراء فحوص السيطرة النوعية عليها.
كانت هناك محاولات لإبرام اتفاقية مشتركة بين وزارة الصحة العراقية ووزارة الصناعة مع إحدى الشركات الهندية الرصينة المعروفة للحصول على امتياز تصنيع 70 دواء من الأدوية التي تنتجها سامراء.
وكان بالإمكان الاستفادة من هذا العقد، وتمشيته في ذلك الوقت لكن بسبب العوائق القانونية، والاقتصادية التي أُثيرت في مجلس الوزراء لم يتم إبرام هذا العقد.
هناك اتفاقات فقط لاستيراد الأدوية، وحالياً قوانين وزارة الصحة المعمول بها لا تـُتيح لوزارة الصحة حصراً إقامة مصانع لإنتاج الأدوية لأننا مازلنا تحت وطأة القانون العراقي القديم، لأنه لم يتبدل لحد الان.
لذلك لابد من تبديل القانون العراقي الذي يُعمَل به سابقاً، بمناسبة وجود مجلس النواب الجديد، ودستور جديد بحيث يسمح لوزارة الصحة بإنشاء هذه المصانع، وتطوير الأدوية، بالتعاون مع المؤسسات، والشركات العالمية.
- ما أهم المشاكل التي واجهت عملكم داخل الوزارة، معالي الوزير في فترة الحكومة الانتقالية؟
الوزير: في داخل الوزارة كنا بصفتنا إدارة نعمل بروح الفريق، ولم نحسّ بأي فوارق فهدفنا تكنوقراطي واحد، ونعتمد على القوانين المتاحة لنا. كأن يكون قانون مجلس الحكم المؤقت، أو القانون العراقي السابق. كنا نعمل ضمن القوانين، وقد يكون هناك اختلاف في وجهات النظر، وأي إشكال يحصل في وجهات النظر فالحكم الفاصل بيننا هو أن نرجع لمجلس الوزراء، حتى يحلّ الإشكال في القضايا التي تدخل في إطار صلاحياته، أو التي تخصّ الوزير، او التي تخصّ بقية المرافق الوزارية.
إن الأزمات التي حصلت بالمحافظات هي أزمات إرهاب، أما أزمة انفلونزا الطيور فعندما حصلت في محافظات إقليم كردستان، وفي محافظات الجنوب بادرتُ أنا وفريق من وزارة الصحة حيث نظـّمنا البرنامج الوطني لمكافحة انفلونزا الطيور، بالتعاون مع وزارة الزراعة.
- بالنسبة لأزمات الإرهاب التي تتحدث عنها – دكتور- هناك أزمات تركت كثيراً من الجرحى، فكيف احتوت الوزارة ذلك، وكيف عالجت هذه المواقف؟
الوزير: نظام الإسعاف الفوري، والاستعداد للطوارئ هو الذي أتاح لنا تسهيل احتواء الأزمات، فقد زاد عدد سيارات الإسعاف، وزاد عدد مراكز الإسعاف الفوري، وزادت خبرة الاستعداد لدى كوادر وزارة الصحة، وهناك خفارات أصبحت ثابتة للجرّاحين، والمخدّرين، وللكادر التمريضي.
ويوجد مفتشون يفتشون المراكز الصحية، حيث اصبح لدينا اسلوب مدّ مواد طبية، ومستلزمات طبية بشكل طارئ أي إننا أوجدنا في داخل بناية وزارة الصحة فيما يخص بغداد خزيناً دوائياً للمغذيات .. إلى آخره.
| |
|