تيار الاصلاح الوطني مؤسس المنتدى
عدد المساهمات : 149 تاريخ التسجيل : 03/11/2009 العمر : 16 الموقع : http://www.eslahiraq.net
| موضوع: باقر جبر الزبيدي وزير الداخلية الجمعة 20 نوفمبر - 0:31 | |
| السلام عليكم، نحاور اليوم وزيراً آخر من وزراء الحكومة الانتقالية... ضيفنا هو معالي وزير الداخلية في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري الأستاذ باقر جبر الزبيدي.
- معالي الوزير، بداية بودّنا التعرف على نبذة مختصرة عن حياتكم الشخصية...
الوزير: وُلِدت عام 1949في مدينة العمارة جنوبي العراق، وترعرعت فيها حتى عام 1956 حيث انتقلت إلى بغداد، وأكملت دراستي الابتدائية، والمتوسطة، والإعدادية في مدينة الكاظمية المقدسة ببغداد، ثم أكملت كلية الهندسة وتخرّجت بصفة مهندس مدني في جامعة البصرة. عملت بعد تخرجي في حقل التجارة، وهو عمل آبائي وأجدادي، حيث كنت من المؤسسين للنهضة الصناعية التي بدأت في العراق عام 1971. بعد عام 1982 تركت العراق بعد إعدام النظام لـ 13 شخصاً من عائلتي، وعملت في صفوف المعارضة العراقية منذ عام 1982 حتى سقوط النظام العراقي (نظام صدام). أسستُ صحيفة اسمها (نداء الرافدين)، وعملت في دمشق، وبيروت كممثل للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (الآن المجلس الأعلى الإسلامي)، بعدها عُدت إلى العراق لشغل منصب وزير الإعمار والإسكان في أول حكومة بعد تغيير النظام في 2003، بعدها شغلت منصب مستشار رئيس الوزراء (الدكتور إياد علاوي) لشؤون الإعمار، ووزيراً للداخلية (في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري الانتقالية)، ثم وزيراً للمالية (في حكومة الأستاذ نوري المالكي).
- أستاذ باقر، عشتم فترة معارضة ليست بالقصيرة، كيف أمكنكم التحوّل من حياة رجل المعارضة إلى حياة رجل الدولة؟
الوزير: في السابق أسهمنا في بناء العراق سواء عن طريق النهضة الصناعية، أم التجارية، ولذلك كنا جزءاً مساهماً في بناء هذه الدولة التجاري، والمالي، والصناعي، فقد كان لنا مجال للعمل في قطاع الاستيراد والتصدير، وبالتالي أعتقد أنه مع تكامل عملنا في مجال الصناعة، والتجارة، ودراسة الهندسة مع العمل العراقي المعارض، والعمل في ميدان الإعلام أصبح كل هذا خليطاً يمكن أن ينتج رجل دولة.
- معالي الوزير، عملتم في وزارة الإعمار والإسكان بصفة وزير، ثم أصبحتم مستشاراً لرئيس الوزراء لشؤون الإعمار في الحكومة المؤقتة، فكيف تم اختياركم لوزارة الداخلية لتولي مسؤوليتها كوزير؟
الوزير: لديّ بعض الخبرة الأمنية في مجال الدراسات، والبحوث في أيام المعارضة العراقية، وبالتالي من يعرفني عن قرب، يعرف أن لي هذه الخبرة، وبالتالي تم اختياري عن دراسة، وعن تعمّق.
- كيف تصف معالي الوزير، مرحلة سقوط نظام صدام، كيف تصف دخول القوات المتعددة الجنسية و سقوط الصنم؟
الوزير: لقد حاولنا قدر الإمكان أن نسقط نظام صدام وبجهود حثيثة للمعارضة الوطنية العراقية، سواء الإسلامية منها، أم القومية، أم الوطنية، وهذه الجهود تكلـّلت بالنجاح في جانب منها، وفشلت أو تلكأت في جانب آخر، خصوصاً أيام الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991، وبالتالي تحوّلت الانتفاضة إلى اتجاه آخر. لقد دخلت القوات الأميركية للعراق بسبب السياسات التي انتهجها النظام الدكتاتوري في بغداد، وكذلك بسبب الموقف غير المدروس الذي اتخذه النظام العراقي السابق. في حين لو اطلعنا على التجربة الليبية، والموقف الذي اتخذه الرئيس الليبي (معمر القذافي) والذي اتسم بالحنكة، والحكمة فقد استطاع تفادي الضربة الأمريكية لـ (ليبيا)، لكن (صدام)، لم يتخذ مثل هذه الإجراءات، فتسبب بدخول القوات الأمريكية الى العراق. دخلنا إلى العراق بعد سقوط الصنم، وبداية العهد الجديد، والعراق الجديد، فدخلنا من أجل المساهمة في بناء بلدنا، ومن أجل المساهمة في إعادة الأمن، والاستقرار، ولإطلاق سراح السجناء، ومتابعة المجرمين القتلة والذين أسهموا في قتل شعبنا على مدى 35 عاماً.
- سيادة الوزير، وزارة الدخلية من الوزارات الحساسة والمهمة، فكيف وجدتم وزارة الداخلية، وماذا وضعتم من آليات للعمل عليها؟
الوزير: المهمة كانت صعبة جداً، وأنا أتذكر أنه في اليوم الأول الذي تسلــّمنا فيه مهمة الوزارة، وبعد أداء القسم لجأت إلى مكتبي لإدارة العملية الأمنية، وإذا بي أُفاجَأ بعدة عمليات إرهابية كبيرة، وشديدة بلغت في اليوم الأول 13 عملية بالسيارات الملغومة, وعدداً كبيراً من الهاونات، فبدا الأمر وكأن القوم (الإرهابيين)، قد هيّأوا أنفسهم لمواجهة حكومة الدكتور الجعفري. في اليوم الثاني لتسلمي منصب وزير الداخلية، كان هناك على ما أتذكر 14 سيارة ملغومة، وفي اليوم الثالث كانت 15 سيارة ملغومة، حيث إن وتيرة العمليات الإرهابية كانت في تصاعد ونحن أمام تجربة جديدة، وعمل جديد. في الأسبوع الأول من عمر الحكومة الانتقالية، عُقِدَ الاجتماع الوزاري للأمن الوطني برئاسة القائد العام للقوات المسلحة السيد رئيس الوزراء (الدكتور الجعفري)، واتخذنا جملة من القرارات للبدء بتنفيذها ومن جملتها: أن نواجه العدو بدل الاستسلام له. بناءً على مقررات الاجتماع الوزاري للأمن الوطني، بدأنا خطتي (البرق والرعد الأمنيتين) وكانت هذه الخطة ترتكز على مهاجمة العدو في عُقر داره، حيث بدأنا المداهمات المبنية على معلومات استخبارية مُسبَقة، فاضطر الإرهابيون إلى ترك بغداد. كانت تتوافر لدينا معلومات مُسبَقة ومن خلال تقارير استخبارية أن الإرهابيين ينوون السيطرة على مناطق شاسعة من بغداد، وبالتالي إسقاطها بأيديهم ليكون الاقتتال في داخل بغداد. لذا بدأنا العمليات الأمنية التي استهدفت مطاردة الإرهابيين. (بالأمس) كنت اطلع على التقرير الأمني الذي كان يصدر عن (الأنجوك) وهو مركز العمليات المشترك (العراقي - الأميركي) والذي يُشير إلى أن العمليات الإرهابية انخفضت انخفاضاً شديداً جداً في الأربعة أو الخمسة أشهُر الأولى في حكومة الدكتور الجعفري. لقد اصبح لدينا مجال لبناء قواتنا الأمنية، لأننا في الوقت الذي نقاتل فيه الإرهابيين، علينا أن نبني قوات الأمن من الشرطة، والجيش، وفعلاً بدأنا بعملية تدريب واسعة شملت معسكرات التدريب في الأردن، وفي السليمانية، وفي النعمانية، والبصرة، وفي بابل، حيث بدأت هذه المعسكرات تخرّج أفواج الشرطة، والمغاوير، وكذلك قوات حفظ النظام.
- أستاذ الزبيدي، واجهت وزارة الداخلية مشاكل كثيرة، ومن أهمها ظاهرة الفساد الإداري، والخروقات الأمنية، فكيف واجهتم هذه المشاكل والمعوقات؟
الوزير: في الأيام الأولى لعملي في الوزارة، كنا نواجه خرقاً أمنياً شديداً، فقد كان هناك مجموعة من الإرهابيين استطاعوا اختراق وزارتي الداخلية والدفاع، وكانوا متمركزين في الوزارتين، وأغلبهم من أزلام النظام السابق، أو من التكفيريين، وقد حاول هؤلاء بطريقة أو بأخرى أن يسيطروا، أو يجدوا لهم موطئ قدم في وزارة الداخلية. لقد بدأنا بعملية متابعة هذه العناصر ومن خلال المعلومات الاستخباراتية، حيث طردنا العديد منهم، وألقينا القبض على البعض منهم، وأخذوا طريقهم إلى المحاكم؛ لذلك أعتقد أننا نجحنا باتجاهات متعددة، أولاً: مقاتلة الإرهاب، ثانياً: بناء قوات الأمن، ثالثاً: مكافحة الخروقات الأمنية التي كانت تعاني منها وزارة الداخلية.
- معالي الوزير، لماذا لم نشهد لحد الآن تسليحاً متطوراً، وحديثاً لمنتسبي وزارة الداخلية؟
الوزير: بصراحة، هذا له علاقة بالجانب الآخر، أي: القوات المتعددة الجنسية، فهي التي تحدد نوع السلاح، وطبيعة السلاح الذي تتسلح به قوات الشرطة، والجيش, - طبعاً- وضع التسليح الآن أفضل من السابق. في السابق كان كل اثنين من الشرطة، أو المغاوير لديهم بندقية واحدة، والوضع الآن بدأ يتحسن ليصبح أفضل من السابق، - بلا شك- من ناحية التسليح لو كان الأمر عائداً إلينا، لواجهنا الأعداء بسلاح على الأقل بمستوى سلاحهم، فالإرهابيين يمتلكون أنواعاً من الأسلحة لا توجد لدى قواتنا مثل السيارات الملغومة، إلى الـ (آر بي جي)، والهاونات، والعبوات الناسفة، وغير ذلك من الأسلحة، في حين أن قوات الداخلية لا تمتلك إلا بندقية الكلاشنكوف.
- معالي الوزير، أنتم الآن عضو في حكومة الأستاذ المالكي وبصفة وزير مالية، ما رأيكم في الخطة الأمنية التي أطلقتها حكومة الأستاذ المالكي؟
الوزير: على الرغم من أني عضو في مجلس الأمن الوطني، لكني تغيّبت عن الاجتماعين الأولين لهذا المجلس، وقد غِبت عن الاجتماعين بسبب انشغالي في ترتيب أمور وزارة المالية، وإجراء بعض الإصلاحات فيها ومتابعتها، لذا لم أطلع بالتفصيل على الخطة الأمنية التي وُضِعت، لكن بالنتيجة أنا أعتقد أن الخطة الأمنية تواجه تحديات خطيرة، وهذه الخطة بحاجة إلى تطوير مستمر لمواجهة هذه التحديات.
- معالي الوزير: هل لكم كلمة توجهونها إلى وزير الداخلية الجديد في حكومة الأستاذ المالكي؟
الوزير: إن كان هناك من كلمة، فيمكن أن أحدّثه بها بشكل مباشر، فهو جاري.
- لقد وضعتم معالي الوزير، أجندة عمل الوزارة، ومشاريعها المستقبلية، فماذا تتمنون على وزارة الداخلية بقيادتها الجديدة؟
الوزير: أتمنى أن تستمر وزارة الداخلية في التدريب، والتأهيل فقد وضعنا أسساً لذلك، وقد وضعنا كذلك أسساً مهمة جداً في تشكيل جهاز الاستخبارات، وأنا قبل أن أترك منصبي كوزير للداخلية وضعت الهيكل التنظيمي لجهاز الاستخبارات، حيث يبدأ هذا الجهاز من الحدود، وينتهي في كل فوج، وفي كل مركز شرطة. أعتقد أن العمل الاستخباراتي يجب أن يتطور، لذلك تابعنا تأسيس الجهاز الاستخباراتي على الرغم من مقاتلتنا للإرهاب؛ لأنه أمر مهم جداً... في بداية عملنا استفدنا من الدعم الجماهيري الذي كان يُقدِّم لنا المعلومات، بعد ذلك اعتمدنا على الأجهزة الأمنية، والاستخباراتية للحصول على هذه المعلومات.
- معالي الوزير، كيف تعاملتم مع الرُتـَب المتقدمة في وزارة الداخلية؟
الوزير: أودّ أن أشير هنا إلى أني لم أُجر ِ تغييرات على المستوى القيادي في الوزارة مُطلقاً، إلا أن هناك اثنين من وكلاء الوزارة تجاوزت أعمارهم السن القانوني حسب قانون وزارة الداخلية، وتقاعدوا. كل القيادات العليا في وزارة الداخلية لم أتعامل معها بالإقصاء، أو المتابعة، على العكس فأنا في بداية عملي أعطيت اهتماماً كبيراً، وكبيراً جداً بالقوات الخاصة، ومثل هذا الاهتمام في تأسيس جهاز الاستخبارات، كما أعطيت اهتماماً لتدريب منتسبي الوزارة. لقد كان تعامُلي مع القادة في وزارة الداخلية تعامل (صداقة)، وهذا ما سمعته من كثير من القادة الميدانيين وبرتبة لواء، أو عميد، فقد كانوا يصفون العلاقة بيني وبينهم بـ (الحميمية)، وقد سمعت هذا من قادة القوات الخاصة، وقادة الشرطة، وحتى قادة الشرطة في المحافظات من خلال زياراتي الميدانية للمحافظات، أو من خلال المؤتمرات التي كنت أعقدها في مقر الوزارة.
- أستاذ باقر، تم تعيين عدد كبير من المتطوعين في وزارة الداخلية، من دون مراعاة المستوى الدراسي لهم، مارأيكم بهذا؟
الوزير: لقد عانيت من هذا الأمر معاناة حقيقية، فعندما توليت منصب وزير الداخلية، وضعت شروطاً للتعيين من ضمنها: أن يكون المنتسب للوزارة حاصلاً على الأقل على الشهادة المتوسطة. في بعض الأحيان عندما كان يُطلــَب مني التخلي عن هذا الشرط كنت أتمسك به قدر الإمكان، كما أننا وجدنا عدداً كبيراً من الذين طــُوِّعوا في الحكومة التي سبقت الحكومة الانتقالية (أي: حكومة الدكتور إياد علاوي)، لا يقرأون ولا يكتبون، ما اضطرنا إلى إدخالهم في دورات لتعليمهم القراءة والكتابة. نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين، وأمامنا مسؤولية أن نجعل الشرطي في الشارع يستخدم الكمبيوتر، فكيف يمكن أن نقبل أن لا يكون الشرطق قادراً على القراءة أو الكتابة...!؟ لقد كانت هذه معاناة حقيقية، وأعتقد أن المستوى الدراسي للشرطي يبدأ من خريج الدراسة الإعدادية فما فوق.
- سيادة الوزير، كيف تقيّمون قدرة القوات الأمنية (الآن)، ونحن نستمع إلى أصوات تدعو إلى انسحاب القوات المتعددة الجنسية من العراق، وهل القوات العراقية قادرة على مسك الملف الأمني لوحدها؟
الوزير: (حالياً) هي غير قادرة، فالقوات الأمنية بعددها، وعُدتها غير قادرة لوحدها على مسك الملف الأمني، وقد تقرّر - كما أعتقد - في مجلس الأمن الوزاري تطويع (60000) منتسب في وزارة الداخلية بصفة شرطي، و(20000) منتسب في الجيش بصفة جندي، وأعتقد أن هذا العدد سيسدّ الفراغ، وبالتالي يكون لدينا عدد مقارب لما كان موجوداً من منتسبي الأجهزة الأمنية. في حكومة الدكتور الجعفري، تم تطويع (15000) شرطي، وبواقع ألف من كل محافظة، وقبل ذلك طوّعنا بحدود الـ (20000) منتسب تم تدريبهم، ليصبح مجموع من تم تطويعهم وتدريبهم خلال فترة الحكومة الانتقالية (35000) منتسب، وأعتقد أن هذا العدد مع عدد المُتطوّعين الجُدُد، يمكن أن يحلّ محل القوات المتعددة الجنسية إذا ما انسحبت من المدن، حيث يمكن أن تقوم قوات الأمن العراقية بدورها على أكمل وجه.
- معالي الوزير، برأيكم كم هو السقف الزمني اللازم لاستتباب الأمن في العراق؟
الوزير: هذا يعتمد على العمل الأمني، فيمكن أن نقول: سنتان، أو أن نقول: ستة أشهر، وهذا يعتمد على متابعة العمل الأمني، ويعتمد على حرية قوات الأمن العراقية في التحرك. هل تمتلك قوات الأمن العراقية حرية التحرك؟ هذا السؤال الذي يُطرَح، فإذا امتلكت قوات الأمن العراقية حرية التحرك الكاملة، بحيث يمكن أن تتوجه إلى المكان الذي تريده بلا قيود أو شروط، عند ذلك أعتقد أن الوضع الأمني سيتحسن.
- أستاذ الزبيدي، برأيكم كيف يمكن أن تمتلك القوات العراقية هذه الحرية؟
الوزير: هناك قرار برقم (1446) وعلى ما أتذكر، هذا القرار يعطي مسؤوليات الأمن في العراق إلى القوات المتعددة الجنسية. نحن إذن أمام قرار للأمم المتحدة، والذي سيُعاد دراسته في البرلمان نهاية (هذا العام)، عند ذلك يمكن ترتيب بعض الأمور الجديدة، والتي ستسمح للقوات العراقية بحرية التحرك، والتمركز في المواقع التي تريد.
- سيادة الوزير، هل من الممكن أن تحدّثنا قليلاً عن الإنجازات التي يمكن أن تفتخر بها وزارة الداخلية، خلال فترة الحكومة الانتقالية القصيرة نسبياً؟
الوزير: أعتقد أن أهم إنجاز هو عمليات (البرق)، فالبرق عمليات أمنية متكاملة، استطاعت أن تعيد الأمن والاستقرار إلى بغداد، وعلى مدى أربعة أشهر. الكل يعلم أن المواطن كان لا يستطيع الخروج من بيته بعد الساعة السابعة مساءً في فترة الحكومة التي سبقتنا (حكومة الدكتور إياد علاوي)، لكن مع عمليات البرق أصبح الناس يسهرون إلى ساعة متأخرة من الليل. لقد بدأ الهدوء يعود إلى بغداد إثر عمليات البرق، فقد كان مجموع العمليات الإرهابية بالسيارات الملغومة في الشهر الواحد لا يتعدى الـسيارتين أو الـثلاث سيارات، وهذا الانخفاض انسحب أيضاً على القصف بالهاونات، وعمليات الاغتيال، كما أشارت إلى ذلك التقارير الاستخباراتية. كما يمكننا أن نفتخر بأننا أسّسنا لعمل استخباراتي كبير، ووضعنا هيكلية كاملة للعمل الاستخباراتي، ويمكننا أن نفخر بأننا درّبنا أكثر من (35) ألف متطوع تدريباً كاملاً، وقمنا بتسليحهم، وتجهيزهم وهم الآن يقاتلون الإرهاب في الشارع العراقي. وكذا نفتخر بأن وزارتي الداخلية، والدفاع ولأول مرة، وقد تكون لآخر مرة، أصبح التنسيق بينهما رائعاً، فقد كنت ترى توأمين بين وزارتي الداخلية، والدفاع، أي: لا يوجد فرق بين وزيري الداخلية والدفاع.
- أستاذ الزبيدي، كيف استطعتم في الحكومة الانتقالية الوصول بالعلاقة بين وزارتي الدفاع والداخلية، إلى مستوى وصفتموه بالرائع؟
الوزير: اندماج فريق العمل هذا يعود إلى تحرك الوزيرين، وإلى إدارة الوضع من قبل السيد رئيس الوزراء (الدكتور الجعفري)، وإلى اجتماعات الحكومة والتي كانت تــُعقـــَد بكثافة، كل ذلك جعل العلاقة بين الوزيرين، وبين الوزارتين متكاملة لم نشهدها سابقاً، ولا أعتقد أننا سنشهدها في المستقبل. الصحافة في فترة الحكومة الانتقالية باتت تكتب عن وزارتي الدفاع، والداخلية التوأم، وهذا شيء مهم، وكبير، وحافظ على وحدة البلد، فعندما تحافظ على وحدة قوات الأمن على الرغم من محاولات الإرهابيين شقّ الصف بينهما فهذا إنجاز. لقد حاول الإرهابيون أن يضربوا، ويفكـــّكوا الوحدة المتكاملة بين وزارتي الدفاع، والداخلية ولم يستطيعوا، وقد نجحنا أنا وأخي الدكتور (سعدون الدليمي) المحافظة على هذه الوحدة، وعلى هذا التوأم (وزارتي الدفاع والداخلية)، حيث عملنا معاً على مكافحة الإرهاب.
- سيادة الوزير: في حواراتنا السابقة مع وزراء الحكومة الانتقالية الآخرين، كانوا يؤكدون أن الملف الأمني كان له الأولوية تلك الفترة، وباعتبار وزارتكم من الوزارات الأمنية المهمة، هل عانت وزارة الداخلية من مسألة الدعم المالي، أم أن تخصيصاتكم في الميزانية كانت كافية، وتتناسب مع حجم الاهتمام بكم كوزارة أمنية؟
الوزير: عندما تسلمنا وزارة الداخلية كانت الميزانية قد أُعِدت سلفاً. كما أود أن أذكر أن من أهم إنجازات الحكومة الانتقالية (والشيء بالشيء يُذكر) أن حكومة الدكتور الجعفري، ووزاراتها الأمنية كالداخلية، والدفاع استطاعت أن تنجز الانتخابات، والاستفتاء على الدستور بأمن وأمان؛ فقد كنت أنا وأخي وزير الدفاع (د. سعدون الدليمي)، نتجوّل في شوارع بغداد، ونتنقــّل من مركز انتخابي إلى آخر، (اليوم) لا نشاهد مثل هذا التحرك (أي: تجوال الوزراء الأمنيين في الشارع). لقد وصلنا إلى مستوى من الأمن بحيث كان مسؤولون بدرجة وزير يتحركون في الشارع، ويتنقـــّلون من منطقة إلى أخرى، وهذا ما يصعب أن نشاهده (الآن)، بسبب كثرة العمليات الإرهابية، أو لأسباب أخرى قد أجهلها أنا. لذلك يُعتبَر إنجازاً مهماً أن تحقق وفي مدة ستة أشهُر، عملية انتخابية متكررة مرتين، وبنجاح فائق... ففي العملية الانتخابية الثانية لم يتعرض أي مواطن لأي اعتداء، أما في العملية الأولى فقد حدث في أطراف الموصل بعض الأعمال الإرهابية، لكن مناطق بغداد، وجنوب العراق وشماله، وغربه قد كانت مناطق آمنة، بل حتى إن الانتخابات جرت في الرمادي، وهذا إنجاز كبير جداً، (الفلوجة) شهدت زخماً انتخابياً كبيراً جداً، وبالتالي هذه إنجازات من الممكن أن نضيفها إلى إنجازات الحكومة الانتقالية.
- سيادة الوزير، لم يُفعَّل إلى حد الآن قانون مكافحة الإرهاب، برأيك ماهي أسباب ذلك، وهل تفعيله سيُسهم في استتباب الوضع الأمني؟
الوزير: قانون مكافحة الإرهاب كان نتيجة مخاض داخل البرلمان، وبالتالي صوّت عليه ممثلو الشعب العراقي لكنه لم يُطبّق...! في مصر, أو الأردن عمليتان أو ثلاث عمليات كافية لإصدار قوانين كافحة الإرهاب في هذه الدول. في زيارتي الأخيرة إلى الأردن، التقيت مع وزير الداخلية الأردني، وعرفت أنهم بصدد تطبيق قانون جديد لمكافحة الإرهاب. أما قانون مكافحة الإرهاب في العراق فقد أُجِّل، ولم يُنفـــَّذ لأسباب، أعتقد أن لها علاقة بالقوات المتعددة الجنسية، فهي المسؤولة عن الأمن، وهذا هو الذي أجـّل تطبيق هذا القانون، وإلا فإن السيد رئيس الوزراء طالما كان يؤكد في كل اجتماع على أهمية تطبيق قانون مكافحة الإرهاب، وكان يؤكد على القضاء، ويقول: هذه مهمتكم في أن تطبّقوا القانون، لكن على كل حال، القانون تلكأ بطريقة أو بأخرى.
- معالي الوزير: برأيكم، هل أن الإرهاب في العراق صناعة محلية، أم أنه وافد إليه من خارجه؟
الوزير: أعتقد أن الإرهاب وافد من خارج العراق، وهو استمرار لما كان يحصل في أفغانستان، وما موجود من حركات إرهابية، وفي العراق كانت له حاضنة. هذه الحاضنة تنقسم إلى نوعين، النوع الأول: أيتام النظام السابق من الصداميين القتلة، والنوع الثاني: التكفيريون الذين يتوافقون مع طالبان، وتنظيم القاعدة في الفكر والتوجّه، ونظريات القتل، والاعتداء على الآخرين، وهذا ما نشاهده كل يوم في شوارع بغداد، وبعقوبة، والبصرة، والموصل من عمليات قتل، وتفجير مساجد، واعتداء على الآمنين.
- أستاذ الزبيدي، اتــُهــِمت وزارة الداخلية بالطائفية، ما ردّكم على هذا الاتهام؟
الوزير: لقد كنا نناقش هذا الموضوع، وهو لا يستحق النقاش, لماذا؟.. لأن قائد القوات الخاصة من إخواننا السنة ولم أغيّره، كذلك قائد شرطة بغداد من إخواننا السنة ولم أغيّره، على العكس من ذلك، أنا عيّنت قادة من إخواننا السنة في مناصب مهمة، مثلاً: مدير عام مديرية الجرائم الكبرى، وهكذا بعض الوكلاء. الوزارة كانت معتدلة، وكنا لا نتعامل في داخل الوزارة مع بعضنا البعض على أساس كوننا من السنة، أو الشيعة، أو كوننا عرباً، أو كرداً. هذه النعوت، وهذه المواصفات إنما كان يُطلقها الأعداء، ويُطلقها الموتورون، ويُطلقها الذي عانى من وزارة الداخلية ومن أجهزتها، هذه الوزارة التي تابعت الإرهابيين، ودافعت عن شعبنا العراقي.
- معالي الوزير، يُشاع عن وجود فرق موت، هل هذا صحيح أم أنها تهويلات إعلامية؟
الوزير: هي أكذوبة إعلامية، وهي أكذوبة كبرى وغير واقعية، ولو كان لها واقع لشهدنا أسماء وأرقاماً، كانت هناك إشاعات وتصريحات تـُطلـــَق، عن إلقاء القبض على مجموعة تلبس زيّ الداخلية.. الإرهابيون (الآن) يلبسون زيّ الداخلية، وزيّ الدفاع، وبالتالي هذا الموضوع عار ٍعن الصحة، ولم يكن يأخذ من مناقشات الحكومة أي حيّز.
- سيادة الوزير، كيف يتم تحديد عدد القوات الأمنية اللازمة لكل محافظة؟
الوزير: فيما يتعلق بالجيش لا أعرف بالضبط ما هو العدد, أما بالنسبة للشرطة فهناك نظام عالمي, وفي هذا النظام يتدرّج العدد من شرطي واحد لكل (300) شخص، إلى شرطي واحد لكل (100) شخص وحسب الوضع الأمني للدولة، وحسب مستوى الجريمة فيها، وأعتقد أن العراق يحتاج شرطياً واحداً لكل (150 إلى 200) شخص.
- أستاذ باقر، برأيكم من المسؤول عن وصول الوضع الأمني في العراق إلى ما وصل إليه، فالحدود استــُبيحت، والعمليات الإرهابية التي شهدها العراق راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، من المسؤول الأول عما حصل في العراق؟
الوزير: برأيي أن المسؤولية لا يمكن أن تــُلقى على جهة دون أخرى، المسؤولية أولاً وآخراً هي على النظام الدكتاتوري الدموي الذي خلــّف كل هذه المشاكل، وهو الذي قال (أي: صدام): إني سأترك العراق أرضاً بلا شعب، وهذا ما جرى فعلاً. لقد قام نظام صدام بتوزيع كل هذه الأسلحة في مناطق متعددة، ولدينا معلومات استخباراتية تفيد أن هناك ضابطاً وبرتبة عميد كان مسؤولاً عن توزيع الأسلحة في مناطق محددة، ومعيّنة، وهذه الأسلحة استفاد منها الإرهابيون في صناعة العبوات الناسفة، والسيارات الملغومة، ولازالوا يستفيدون منها. جزء من الوضع الأمني العراقي المتدهور تتحمله بعض الدول العربية، والإسلامية التي وقفت إلى جانب الإرهاب ودعمته، وفتحت له حدودها، وهذا مجال كبير من الممكن أن نتحدث به، حيث من الممكن التحدث بما أملك من معلومات، أين تم تدريبهم؟ وإلى أين تم إرسالهم؟ ومن هم؟ وما هو الدعم الذي قــُدِّم لهم؟ جزء من هذا الوضع نتج عن أخطاء كبيرة وقعت بها القوات المتعددة الجنسية، ابتداءً من مرحلة سقوط نظام صدام وحتى هذه اللحظة. التجارب التي تملكها حكومة مجلس الحكم، والحكومة الثانية (حكومة الدكتور إياد علاوي)، والحكومة الثالثة (حكومة الدكتور الجعفري)، هي بلا شك ليست تجارب عميقة، وقادرة على حلّ هذه المشاكل المعقدة التي واجهتها كل هذه الحكومات الفتيّة. لم تكن لتلك الحكومات الخبرة، وعلى الرغم من ذلك قامت بجهود كبيرة، ونقلات نوعية سواء بالجوانب الأمنية، أم الاقتصادية، وغير ذلك, لذلك أقول: هناك جملة من الأسباب أدّت إلى أن يكون الوضع الأمني بهذا الشكل.
- معالي الوزير، هل شهدت العلاقة بين وزارة الداخلية والقوات المتعددة الجنسية حالة من التعاون، أم العرقلة لعمل وزارة الداخلية؟
الوزير: إذا تحدثنا عن الأشهر الأربعة الأولى لحكومة الدكتور الجعفري فقد كان هناك نوع من الحرية, أي: حرية حركة القوات الأمنية، لكن عندما بدأت العملية السياسية تنحو منحى آخر من أجل (المصالحة)، أو من أجل حكومة الوحدة الوطنية. فقد بدا هذا الاتجاه من خلال اجتماعات لم تكن الحكومة طرفاً فيها، وأتذكر أن الدكتور الجعفري كان كثيراً ما يسأل القوات المتعددة الجنسية عن هذه الاجتماعات، ومدى صحة هذه اللقاءات، وماهيتها. عقب هذه الاجتماعات، بدأت هناك نوع من الضغوط تــُمارَس وبطلب من بعض الأطراف، من أجل الحدّ من عمل وزارتي الداخلية، والدفاع وفعلاً بدأ هذا الحدّ بطريقة أو بأخرى. في الأشهر الأربعة، أو الخمسة الأولى كنا نمتلك حرية الحركة، في حين بدأ التقييد بعد ذلك.
- سيادة الوزير، أنتم من الأشخاص الذين عملتم من أجل مكافحة الإرهاب، برأيكم هل نجحتم في هذه المهمة؟
الوزير: عندما أقول: إننا بحاجة إلى أن نطلق يد القوات الأمنية العراقية في التحرك، لأنهم كما يقولون: (أهل مكة أدرى بشعابها)، و- بلا شك- أن العراقيين وأجهزتهم الأمنية أقدر على التحرك، وأعرف بأمور بلدهم، وكيفية معالجتها، على كل حال أقول: لقد نجحنا في الخمسة أشهر الأولى من عمر الحكومة الانتقالية نجاحاً جيداً وأنا راض ٍ عنه، والحكومة راضية عنه كذلك، ولو قارنـّا ما نتج عن عملنا في الخمسة أشهر الأولى بجدول العمليات الإرهابية (الآن) لوجدنا أن الفارق كبير جداً.
- حدثنا معالي الوزير، عن دعم الحكومة لوزارة الداخلية، ومستويات هذا الدعم؟
الوزير: للأمانة أقول: كان الدكتور الجعفري يعطي من وقته الكثير لمسألة الأمن، وكانت أكثر اجتماعاته مخصَّصة للقضية الأمنية، فقد أوكل الجانب الاقتصادي إلى أحد نوابه, والجانب الخدمي أوكله إلى شخص آخر، لكن الجانب الأمني كان يتابعه بنفسه. لقد كنا نعقد اجتماعات ماراثونية من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً، وهذا دليل على أن الحكومة كانت مهتمة جداً بالجانب الأمني، واستطاعت بشكل أو بآخر أن تنجح فيه.
- أستاذ الزبيدي، كيف كانت تــُدار اجتماعات مجلسي الوزراء في الحكومة الانتقالية، وكيف كانت تجري عملية اتخاذ القرارات في المجلس؟
الوزير: لقد انتهج السيد رئيس الوزراء (الدكتور الجعفري) نهجاً ناجحاً من وجهة نظري عندما عزل العمل الأمني في زاوية مختلفة عن مجلس الوزراء، لأنك لا يمكن أن تناقش الوضع الأمني في فضاء كبير, فالعامل الأمني بحاجة إلى مناقشته بعدد محدود، وفي مكان خاص، وبآلية خاصة، وقد نجح السيد رئيس الوزراء في ذلك. لقد كانت الاجتماعات الأمنية تقتصر على السيد رئيس الوزراء باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وعلى وزراء الدفاع، والداخلية، والأمن الوطني، وعلى مستشار الأمن القومي، والقوات المتعددة الجنسية، وبعض سفراء الدول التي تمثل القوات المتعددة الجنسية. أوقات الاجتماعات كانت كافية لمناقشة كل الأمور، بل إن الوقت كان مفتوحاً، وفي بعض الأحيان قد يطول الاجتماع نحو خمس ساعات، وإذا كانت هناك ثلاثة اجتماعات في الأسبوع الواحد، وكل اجتماع يستغرق خمس ساعات، فهذا شيء مهم ووقت طويل ألقى بظلاله على الوضع الأمني نحو الأحسن.
- سيادة الوزير، حدثنا عن اجتماعَي مجلس الوزراء الأول، والأخير، وما هي مشاعرك تجاههما؟
الوزير: من الصعوبة بمكان أن يتحدث الإنسان بصراحة عن مثل هذه الأشياء، وبلا شك أنا أعتزّ بشكل كبير باجتماعات مجلس الوزراء في حكومة الدكتور الجعفري.
- كيف تقيّمون معالي الوزير، علاقتكم بالسادة الوزراء في الحكومة الانتقالية، عدا السيد وزير الدفاع فقد تحدثتم عنها؟
الوزير: عندما كنت وزيراً للداخلية كانت عندي علاقات واسعة جداً مع كل الوزراء، وهذا بسبب طبيعة عملي، فبعضهم كان يحتاج إلى الحماية، وبعضهم يحتاج إلى السلاح، ومنهم من يحتاج إلى هوية، وبعض السادة الوزراء كان لدينا تنسيق معهم بسبب وُرود معلومات معينة منهم. لقد كان عندي تقريباً اجتماعات مع أغلب وزراء حكومة الدكتور الجعفري، وكنا نناقش في هذه الاجتماعات كل القضايا، وكنا نــُشرك بعض الوزراء المتخصّصين في المجال الأمني في الأمور التي تخصّهم.
- سيادة الوزير، كيف كان دعم السيد رئيس الوزراء لوزارتي الداخلية، والدفاع؟
الوزير: القرارات الأمنية كانت تــُتخـَذ في الحلقة الضيّقة التي يرأسها السيد رئيس الوزراء، وبحضور ممثلي القوات المتعددة الجنسية، والوزراء الأمنيين، وكانت القرارات تــُتخـَذ بطريقة ديمقراطية، حيث تــُطرَح الأمور على الطاولة وتـُناقــَش، ثم تـــُتخــَذ القرارات، وقد كان الجميع يتفقون على القرار الذي يُتخـَذ. لم يكن الفرض، أو الإكراه، أو الإجبار آلية لاتخاذ القرارات، مع أن طبيعة العمل الأمني تتطلب الفرض، لكن في تلك الاجتماعات كنا نجتمع، ونطرح الأمور على الطاولة، ونناقشها ثم بعد ذلك نجد أن الكل متفقون على القرار المُتخــَذ وبالتالي يُنفـــَّذ.
- أستاذ باقر، واجهت الحكومة الانتقالية الكثير من الأحداث الخطيرة، وخاصة ما يتعلق بحادثة سامراء، وتلعفر، وغيرها من الأحداث، فكيف واجهت الحكومة الانتقالية هذا الأحداث؟
الوزير: الحكومة الانتقالية واجهت ما جرى في سامراء (تفجير مرقد الإمامين العسكريين) بعمل سياسي اتضح من خلال اجتماع السيد رئيس الوزراء وجمعه لكل القوى السياسية، والنقاط الذي نتجت عن الاجتماع وهي أكــثـر من 20 نقطة حُدِّدت لحل هذه المعضلة... ثم المواجهة الميدانية، فقد كنتُ أول وزير ينطلق من بغداد إلى سامراء، على الرغم من أن المنطقة ساخنة، فقد تحرّكت باتجاه سامراء للتعرّف على الواقع، ومعرفة ما جرى، ثم التحدث مع أهالي سامراء وجهاً لوجه. الكثير من الأصدقاء، والمُحبّين، والضباط الكبار نصحوني بعدم الذهاب لأسباب أمنية، ولكني انطلقت بسيارات الموكب إلى سامراء، والتقيت بالأهالي، وألقيت خطبة جماهيرية. لقد استقبلت الجماهير تلك الخطبة استقبالاً حسناً، حيث أكدنا على الوحدة الوطنية، وأكدنا على أن هذا الحادث لن يُضِرّ بالوحدة الوطنية، وهذا ما كنا نتمناه، ثم اجتمعتُ بأهالي سامراء على جنب في إحدى زوايا صحن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام). في طريق العودة من سامراء تعرّضت إلى محاولة اغتيال بعبوة ناسفة، وبرحمة الله (سبحانه وتعالى) نجوت من محاولة الاغتيال هذه، وهذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها للاغتيال، فقد تعرضت سابقاً لأكثر من ثلاث محاولات. إن ذهابي كوزير داخلية في هذه المهمة، كان مسألة كبيرة لكي نــُطفئ الفتنة التي أراد الأعداء خلقها، لذلك تحركت الحكومة سياسياً بقيادة السيد رئيس الوزراء (الدكتور الجعفري)، وتحركاً ميدانياً قمنا به أنا وأخي وزير الدفاع في محاولة لإطفاء نار الفتنة، ونجحنا والحمد لله. إن استهداف المقام المقدّس في سامراء كان من أجل نشوب حرب أهلية لا تنتهي، وبالتالي تكون هناك تصفيات كبيرة، نعم.. حصلت بعض التصفيات المعدودة جداً، فمثلاً 28 مسجداً تعرّض لإطلاق النار، وهذا عمل مرفوض، وغير مقبول. لكن الأضرار كانت محدودة، ولو أن الحكومة لم تتحرك أمنياً لم نكن ندري ماذا كان سيحصل؟!. الدبابات نزلت إلى الشوارع لأول مرة بعد أحداث سامراء، وبقرار من مجلس الأمن الوزاري، من أجل إظهار قوة الحكومة، وفعلاً استطعنا السيطرة على الأوضاع بعد الـ 24 ساعة الأولى من تفجير المرقدين الشريفين، وقد كان من الممكن السيطرة على الوضع في الـ 24 ساعة التالية للتفجير، لكننا كنا سندخل في مواجهة، وندخل فعلاً بحرب أهلية.
- سيادة الوزير، ماذا عن حادثة جسر الأئمة، وكيف تعاملت الحكومة معها؟ الوزير: إن حادثة جسر الأئمة لم تكن أمنية محضة، إنما كان حادثاً تسبّب به بعض الإرهابيين بإشاعة ما، فقد توافرت لي معلومات حول إشاعة أُطلِقت بين الجماهير، حصل إثرها ما حصل من جريمة قتل راح أكثر من 800 مواطن. تعامُل الحكومة مع هذه الفاجعة كان تعاملاً سياسياً - ميدانياً وليس أمنياً، حيث لاحظنا أن السيد رئيس الوزراء تحرّك بخطاب مهم جداً استطاع أن به يطفئ الفتنة، وأكد على دور أهالي الأعظمية الشرفاء الذين شاركوا في إنقاذ الزائرين. لقد ركــّز الدكتور الجعفري في خطاباته على دور أهالي الأعظمية في إنقاذ الزائرين، مؤكداً على الشهيد (عثمان العبيدي)، ودوره الكبير في إنقاذ أكثر من ثمانية من الزائرين قبل استشهاده. كما أن التحرك الميداني التي شهدته قناة (العراقية) وبعض الفضائيات العراقية الأخرى من خلال التبرعات، ومن خلال كثير من المواقف، أسهمت في إطفاء نار الفتنة والحمد لله.
- معالي الوزير، كيف تقيّمون إنجازات الحكومة الانتقالية في فترة ولايتها القصيرة؟
الوزير: الحكومة الانتقالية، وعلى الرغم من قصر فترتها (ما بين أحد عشر شهراً إلى سنة) فقد مرت بمراحل كبيرة، وهي مراحل تأسيسية حقيقية، سواء على مستوى انتخابات 15/12، أم الاستفتاء على الدستور، أم الخطط الأمنية وبناء الأجهزة الأمنية، أم على مستوى بناء الاقتصاد العراقي على أفضل وجه. يمكن أن نصف تلك الفترة بأنها سنة عاش فيها العراقيون أمل التطلع إلى حكومة دائمة، لتقوم هذه الحكومة بدورها على أكمل وجه، وتكمل المشوار الذي بدأته الحكومة الانتقالية، والحكومة التي سبقتها.
- أستاذ الزبيدي، متى بدأت علاقتكم بالسيد رئيس الوزراء الدكتور الجعفري، وكيف تقيّمون هذه العلاقة؟
الوزير: علاقتنا بالأخ الدكتور الجعفري علاقة تاريخية، وهي علاقة نضال، فقد كان لنا في مرحلة الثمانينيات لقاءات محدودة، عندما كان الدكتور الجعفري يترأس اللجنة التنفيذية في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق... عندما كانت كل الحركات الإسلامية في المجلس. في مرحلة التسعينيات بدأت العلاقات تتوطـّد أكثر من خلال زيارات السيد الحكيم إلى لندن، حيث التقيت بالدكتور الجعفري أكثر من مرة، وشاركت مع الدكتور الجعفري في وفد للمعارضة العراقية الذي زار ألمانيا، والتقى نائب وزير الخارجية، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني. لقد قضينا في ألمانيا أكثر من أسبوع سوية، وكنا في حركة دؤوبة، في لقاءاتنا مع الجماهير، وخطاباتنا لهم. إن علاقتي مع الدكتور الجعفري بصفتي وزيراً في حكومته من الممكن أن أصفها بالمُميَّزة، فقد كنا فريق عمل واحد، نعمل سوية كخلية نحلة، ومع الأخ وزير الدفاع من أجل وضع الخطط، للوصول إلى أفضل وضع أمني من الممكن أن يعيشه العراق.
- معالي الوزير، هل تغيّرت نظرتكم إلى الدكتور الجعفري عندما تولـّى رئاسة الحكومة، أم إنها بقيت كما هي؟
الوزير/ لا.. بلا شك، لم تتغير هذه النظرة، لأني كنت أنظر إليه كقائد من قادة العمل العراقي المُعارض، ومن ثم أصبح أحد قادة العمل الحكومي الميداني، سواء كان في مجلس الحكم، أم في الحكومة الانتقالية.
- كيف كان الدكتور الجعفري - أستاذ الزبيدي- يتعامل مع وزراء الكتل التي اختلفت معه؟
الوزير: كنت أتابع حركة السيد رئيس الوزراء في مجلس الوزراء، فبعض القرارات كان المفترَض أن يتخذها هو بصفته رئيساً للوزراء، فكما أن للوزير المختص صلاحيات.. فهو (أي: الدكتور الجعفري) يمتلك بعض الصلاحيات كذلك، والتي تخوّله لأن يتخذ بعض القرارات لوحده من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، وعلى الرغم من أن بعض الموضوعات من صلاحياته فقد كان يطرحها على مجلس الوزراء، بل إنه يطلب في أغلب الأحيان التصويت عليها. في إحدى المرات قلت له: هذا من اختصاصك، قال: (أنا أحب أن أشارك الجميع في القرار)، وهذه خطوة مهمة، وخطوة جيدة ستسهم في تعميق الصداقة، والأخوّة بين الوزراء.
- سيادة الوزير، ما بعد رئاسة الوزراء، برأيكم ماهو الدور الذي من الممكن أن يلعبه الدكتور الجعفري؟
الوزير: الدكتور الجعفري كقيادي من قياديي المعارضة العراقية، وكعضو في مجلس الحكم، ورئيساً له، وكرئيس وزراء، وكنائب لرئيس الجمهورية، لا شك في أن كل هذا يجعله يمتلك خبرة واسعة اكتسبها بسبب عمله، حيث يمكن أن يعمل مع الجميع، ويمكن أن تستفيد منه الحكومة الحالية، أو الحكومة المقبلة، فهو يمتلك الكثير من الطاقات؛ من أجل توظيفها خدمة للعراق وشعبه.
- سيادة الوزير، حدّثنا عن علاقتكم بمدينة الكاظمية؟
الوزير: الكاظمية تعني لي الكثير، ففيها ملاعب صباي، كما هي مدينة (العمارة) ملاعب طفولتي، فقد قضيت في الكاظمية سبع سنوات من عمري، وأنا أتنقل بين المسجد والحسينية، والمقام الكبير للإمامين موسى بن جعفر، ومحمد الجواد (عليهما السلام). أتذكر أنه في عام 1958 عندما كان عمري 12 سنة، كنت ألبس (الدشداشة، والعرقجين)، وأذهب إلى الدرس عند الشهيد السيد (مهدي الصدر)، (رضوان الله عليه)، كذلك آية الله السيد (إسماعيل الصدر) والشيخ (محمد حسن آل ياسين)، بين هؤلاء العلماء كنا نتنقــّل، وكنا ندرس. صحن الإمامين الجوادين، وحضرتهما تعني لي الكثير، لأننا وفي كل ليلة جُمعة كنا نجتمع لقراءة دعاء كميل، وتعلــّم دروس القرآن، واللغة العربية، وغير ذلك من الدروس. الكاظمية تعني لي الكثير، ففي شاطئ دجلة المقابل لمدينة الأعظمية، والمقابل لمدينة الكريعات كنا نجتمع هناك لنمارس رياضة كرة القدم، والسباحة. إن الكاظمية بما تمتلك من روح قدسيّة كبيرة، بسبب وجود الإمامين المقدسين، وبوجود علمائها، وأهليها الطيبين كانت تمثل لي البُعد الروحي، والعمق الذي كنت أعيشه، وزاد عملي الجهادي، والوطني المعارض، والآن عملي الحكومي إلى يومنا هذا.
- أستاذ باقر، بودّنا لو نسمع تعليقكم على بعض المفردات التي ستسمعونها، وبكلمة واحدة لو سمحتم.
- العمارة.
الوزير: بلدي حيث وُلِدت، وعزيزة على قلبي.
- الشعب العراقي.
الوزير: هدفي لكي أخدمه، حتى آخر لحظة من حياتي.
- الإرهاب.
الوزير: سأقاتله حتى آخر لحظة من حياتي.
- الأمن.
الوزير: أتمنى أن يسود في العراق.
- الدكتور الجعفري.
الوزير: صديق قديم، وأخ، عملنا معاً، ويعني لي الكثير.
- العراق.
الوزير: كلمة أحبّها، وأعيشها بقلبي في كل لحظة من لحظات حياتي.
- في ختام حوارنا هذا، نتقدم لمعالي وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية، الأستاذ باقر جبر الزبيدي بالشكر والامتنان لهذا اللقاء، متمنين له الموفقية والنجاح في حياته القادمة.
الوزير: شكراً لكم.
| |
|